الصنف الرابع وأما الصنف الرابع ممن رد دلالات الكواكب فهم قوم نظروا في علم الكل أعني في علم الأفلاك وحالاتها فقالوا إن الكواكب لا دلالة لها على الأشياء التي تكون وتحدث في هذا العالم من أشخاص الحيوان والنبات والمعادن وإنما دلالتها على تغيير الأزمنة فقط ولم يقدر هؤلاء القوم الذين نظروا في علم الكل أن يجحدوا هذا القدر من قوة فعل الكواكب لأن هذا من فعلها موجود ظاهر ودفعه بهت مكشوف على أنه لم يدفع علم الأحكام وثبت دلالة الكواكب على تغيير الأزمنة إلا من كان قليل المعرفة بطبائع الأشياء وبما يتولد من انتقال بعضها إلى بعض لأن العالم بما ذكرنا يعلم أن تغيير الطبائع واختلاف حالاتها إنما يكون بتغيير الأزمنة وتغيير الأزمنة إنما يكون بقوة حركة الكواكب والأشياء التي تحدث في هذا العالم إنما هي بتغيير الطبائع وبانتقال الأزمنة من حال إلى حال آخر فالكواكب إذا بقوة حركاتها وبتغييرها للأزمنة ونقل بعضها إلى بعض فذلك على ما يحدث في هذا العالم
وقد زعمت كل الفلاسفة أن للكواكب دلالات على الأشياء الكائنة في هذا العالم وكانت كلها تستعمل هذا النوع الثاني من علم النجوم في كل شيء من حالاتهم وحركاتهم من أمور الدينية والدنياوية وذلك ظاهر من أفاعيلهم عند من عرف مذهبهم وإنما فعلوا ذلك لأنها أعلى الأجسام وأشرفها وهو غير مشكوك فيه عند الفلاسفة أنه بقوة حركاتها يكون الكون والفساد في هذا العالم بإذن الله ويقولون إن الواجب على من نظر في النوع الأول من علم النجوم أن ينظر بعده في النوع الثاني منه لأنهما علمان متصلان بعضها ببعض أحدهما بالآخر والعلم الثاني ثمرة العلم الأول لأن العالم إذا عرف كيفية حركات الأفلاك والكواكب وكميتها فإنما ثمرة ذلك أن يعرف ما تدل عليه قوى تلك الحركات والحالات على الأشياء الكائنة في هذا العالم وإذا لم يعلم ما تدل عليه الكواكب بحركاتها فلا ثمرة إذا للنوع الأول من علم النجوم وما حال هؤلاء القوم الذين نظروا في العلم الأول ولم يعرفوا هذا العلم المتصل به إلا كحال القوم الذين يكون عندهم العقاقير والأدوية المعجونة وهم لا يعرفون كيف يستعملونها ولا لأي شيء تصلح تلك العقاقير والأدوية من العلاجات ودفع الأمراض
فكذلك هؤلاء أيضا يعرفون حالات الكواكب ومواضعها من البروج فلا يعلمون على أي شيء يدل كل كوكب في برجه وفي حاله وما أتى هؤلاء في دفعهم هذا النوع الثاني من علم النجوم إلا أنهم قوم لا يستعملون أنفسهم فيه فدفعوه لأنهم إذا أثبتوه عابهم الناس بتركهم معرفته ويقال لهم إن نوعين من العلم أحدهما متصل بالآخر يحسنون أحدهما ولا يحسنون الآخر
Page 126