وأيضا فإن لذوي التجارب من رعاة الغنم وأنواع الدواب علامات في كل جنس يعرفون بها حمل ذلك النوع وتذكيره وتأنيثه وألوانه وقل ما يخطؤون فيه وإنما عرف هؤلاء القوم هذه الأشياء لطول تجاربهم فيما هم فيه
فأما الأطباء فإنهم يعرفون ما يحدث في فصول السنة في أبدان الإنس من غلبة الحار أو البارد أو الرطب أو اليابس فأما العلماء الحذاق من الأطباء فإنهم يتقدمون بالقول فيما يكون في كل فصل في أبدان الحيوان من أصناف الأمراض والحميات والأورام واختلاف حال كل علة ومرض من قوته أو ضعفه وزيادته أو نقصانه وطول مكثه أو سرعة ذهابه وسليم هو أو غير سليم على قدر ما يرون من اختلاف هواء البلدان وأسنان الحيوان وغلبة بعض الطبائع على الأبدان ويقولون إنما يستدل على هذه الأشياء من قبل مزاج السنة واختلاف الهواء في صلاحه أو فساده عند انتقال الزمان وتغيير الطبائع وهذه الأشياء التي استدلت بها الأطباء من اختلاف فصول السنة وهواء البلدان وتغيير الطبائع إنما يكون بقوة حركة الكواكب كتسخين قوة الشمس وترطيب قوة القمر وما يظهر من أفعال الكواكب عند امتزاجها مع الشمس والقمر في كل فصل والأطباء أعلم بالعلل وأسبابها ومعرفة الطبائع من أصحاب النتاج والرعاة وغيرهم وصناعتهم أقرب إلى صناعة النجوم من الصناعات التي ذكرناها قبل لأن صناعة الطب إنما هي معرفة طبائع الأركان الأربعة وأبدان الحيوان والنبات والأحجار والمياه وامتزاجها ومعرفة خاصيتها وما يتفق من ذلك ويختلف في البلدان
Page 66