أما فيما يختص بالسودان، فإني أصارحك بأن مجلس الوزراء البريطاني لا يستطيع مطلقا الموافقة على النص الذي تريده مصر، وللجانب المصري أن يطلب ما يشاء، وأن يعلن ما يشاء، ولكن ليس له أن يصر على أن نسلم مقدما بما يريده وما يعلنه.
وأرجو أن تقول كل هذا لصدقي باشا، وتؤكد له أن هذه المسائل الثلاث تمثل وحدة لا يجوز قبول بعضها ورفض البعض الآخر، وأن هذا آخر ما عندنا.»
وهنا انتهى الحديث بين عمرو باشا ومستر بيفن ...
الباب المفتوح ...
لا شك أن الفكرة التي حدت بي إلى أن أتصل بمستر بيفن وزير الخارجية البريطانية عن طريق سعادة عمرو باشا سفيرنا بلندن، كانت فكرة موفقة، فإن الأحاديث التي جرت بينهما كانت لها نتائج طيبة، بل إنها أدخلت على الموقف تحسينات لا شك فيها.
فقد حدث أن المستر بيفن نزل على الرغبة البادية من الجانب المصري، في إبدال عبارة «البلاد المجاورة» في المادة الثانية من مشروع المعاهدة بعبارة «البلاد المتاخمة»، وبذلك يكون للمحالفة عمل إيجابي في حالة واحدة فقط هي الاعتداء المسلح على مصر مع خطر الحرب ... وقد أخذ مستر بيفن على عاتقه أن يخفض مدة الجلاء إلى ثلاث سنوات، بعد أن كان الإنجليز يرون أن تكون خمس سنوات أو أربعا على الأقل.
أما فيما يتعلق بالسودان فقد ظل الموقف كما كان، بمعنى أن لمصر أن تطلب ما تشاء، وأن تعلن ما تشاء دون أن تسلم إنجلترا مقدما، أو ترتبط بما تريده مصر أو تعلنه.
إذن أصبح الموقف بحيث يسمح بشيء من التفاؤل فيما عدا موضوع السودان ... وإذ كان الجانب الإنجليزي يربط الصيغ بعضها ببعض، كان من الصعوبة بمكان أن ننتهي إلى حل يصل بالمفاوضات إلى بر السلامة. •••
ويجدر بي قبل أن ننتقل إلى موضوع ما جرى بمصر بين الوفدين، أن أنوه مع كثير من الارتياح بما كان لجهود سفيرنا بلندن سعادة عمرو باشا من أثر طيب يرجع إلى لباقته، ومعرفته لدقائق العقلية الإنجليزية، وبالأخص ما له من نفوذ في الوسط البريطاني، وما كسبه من صداقة السياسي القدير مستر بيفن.
وإن ذكرت هنا آثار جهود عمرو باشا، فلي أن أستبق الحوادث، فأذكر أيضا ما كان له من شأن وأثر كبير فيما أدت إليه مفاوضات «صدقي - بيفن» بعد ذلك بنحو شهرين. •••
Page inconnue