وقد قلت لهما بعد اطلاعي على هذه الصيغ: إني لا أرى فروقا تستحق الذكر؛ لأن أهدافها كلها واحدة، فقال اللورد ستانسجيت: «إنني أفكر في نص يبعد كل فكرة خاصة بخطر الحرب، وحتى لا تنصب المادة الثانية إلا على حالة الحرب الفعلية ...» فشكرته على هذا التفكير، فإنه دليل الرغبة في تحسين الموقف.
الجلاء والسودان
ثم انتقل الكلام بعد ذلك إلى مسألة الجلاء، فقال اللورد ستانسجيت: «وما هي اعتراضاتكم على تفصيلات الجلاء؟»
فقلت: «إن هذا الذي تعرضونه هو جلاء معاهدة سنة 1936، وليس الجلاء المطلوب اليوم، إنكم تنقلون قواتكم من الداخل إلى منطقة قناة السويس، فليس هذا جلاء، وإنما هو انتقال من أرض مصرية إلى أرض مصرية أخرى!»
فقال: «إن هذه مراحل الجلاء، وماذا يرضيكم في مسألة مدة الجلاء؟»
قلت: «إني أصارحك القول: إن هيئة المفاوضات قد تلقت بالرفض والامتعاض اقتراحكم المتضمن خمس سنوات لتنفيذ الجلاء، ولم أخف عليكم رأيي في ذلك قبل عرضه على هيئة المفاوضات المصرية، صدقني إننا قد وصلنا إلى آخر ما يمكن عرضه أو قبوله، أما خمس سنوات فهي فترة لا يمكن أن يقبلها مصري، إننا نعلم أن جلاء المحاربين لا يستغرق زمنا طويلا، ونحن لا نستعجلكم استعجال الأعداء، بل استعجال الأصدقاء، ولعل في سنة ونصف، أو سنتين على أكثر تقدير، الفترة المعقولة لإتمام الجلاء الكامل على مهل، فلسنا نضع السنج في ظهوركم حتى تخرجوا على عجل، بل أنتم تخرجون كما قلت على مهل خروجا كريما لا يترك وراءه مرارة.»
فلم يرد على ذلك ستانسجيت ولا السفير، بل أطرقا في صمت.
ثم فاتحتهما في مسألة السودان، فقال اللورد ستانسجيت: أنه قرأ كل ما كتب عن السودان في المفاوضات والمعاهدات الماضية أو مشروعات المعاهدات، فلم يجد في إحداها كلاما كهذا الذي يقترحه الجانب المصري الآن.
فقلت له: «لم تكن المفاوضات الماضية حاسمة في اتجاهاتها ولا في موضوعاتها، ونحن الآن نريد أن نفرغ من كل المشاكل على وجه يرضي، إن حق السيادة المصرية على السودان حق قديم اعترفتم به أنفسكم فيما مضى، ونحن نطلب التسليم بهذه السيادة، ونعتبرها في أقصى درجات الأهمية، وبدونها لا تتم المعاهدة.»
فقال ستانسجيت: «إن معاهدة سنة 1936 جاء فيها أن ليس في نصوصها أي مساس بمسألة السيادة على السودان، فلماذا لا نلجأ لنص كهذا الآن؟»
Page inconnue