والواقع أن المحافظين لا يريدون جلاء؛ لأن في الجلاء فقدانا لأداة السيطرة، وبسط السيادة، وهم لا يعنون بصداقة المصريين إلا بالقدر الذي لا يمس نفوذهم. وهم في سبيل محاربة قضية مصر يستعملون من العبارات ما هو غاية في الغلو والتطرف، إذ يقولون عن رغبة العمال في التعاقد مع مصر إن من شأن هذا التعاقد تعريض المصالح البريطانية للدمار!
أمل لم ينقطع
وعلى الرغم من حملة حزب المحافظين على وزير الخارجية البريطانية مستر بيفن، واعتراضهم على مسلكه، نراه يقف في مجلس العموم يصرح بأن من حق مصر، ومن حق بريطانيا معها في الحالة الجديدة التي أعقبت الحرب أن تصلا إلى حل سليم عادل، وأنه ليس من المألوف أن يكون الدفاع تبعة تلقى على كاهل دولة واحدة، بل الدفاع من حق الأمم متفاهمة متعاونة، وقد أصبح هذا إيمان الجميع، وليس من المألوف في العلاقات الدولية أن تبقى قوات أجنبية في بلاد شعوب أخرى، ويقول: «إن الأساليب المؤسسة على مثل ذلك قد أصبحت عتيقة بالية، وأنه يكون طيبا إذا استطاع أعضاء مجلس العموم تحقيق ذلك ... وأن مهمة رؤساء أركان الحرب أن ينفذوا ما تقرره الحكومة، وأن هناك بعض خلاف في الرأي، ولكن على الوزارة البريطانية أن تزن الأسباب بميزان البحث والتمحيص، ويجب عليها أن تتخذ القرارات السياسية، وأن تقبل التبعة الناجمة عنها.» ولقد كانت هذه العبارات التي أدلى بها مستر بيفن تنطوي على الشجاعة، وقد بعثت في نفسي التفاؤل والأمل وقتذاك؛ أولا: لأن الشقة بيننا وبين البريطانيين قد ضاقت بسبب تفاهمنا في أكثر المسائل التي يعالجها الطرفان ... وثانيا: لأن روح حكومة العمال، وروح مستر بيفن بصفة خاصة، هي روح كنت أعتقد أنها ستؤدي في نهاية الأمر، ومهما طال جدلنا إلى الوصول إلى الغرض الذي يتوق كل منا إلى تحقيقه.
وقد صرح مستر بيفن في مناقشة له بمجلس العموم: «إن بريطانيا في سياستها بالشرق الأوسط كان عليها أن تختار إما القوة، وإما الصداقة، وإنها اختارت الصداقة.»
لذلك لم أقطع الأمل حين وقفت المفاوضات؛ لأنها لم تنقطع، ولأن هذه الروح كانت ما تزال سائدة، ولأنه مهما كانت رغبة العمال في التخلص من مهاجمة المحافظين لهم في مجلس العموم، فلن يصلوا إلى درجة نقض تعهداتهم والإخلال بمبادئهم؛ ولهذا لم تلبث أن استؤنفت المفاوضات فيما بعد.
المشروع المصري
وهذا هو نص المشروع المصري الذي رفضه الوفد البريطاني، وجاء ذكره في هذا الفصل من المذكرات:
المادة الأولى:
في حالة الاعتداء المسلح الموجه ضد بريطانيا العظمى في البلاد المتاخمة لمصر، تتعهد هذه الأخيرة أن تبذل لها كل تأييد عسكري وغيره، وكل المعونة التي في وسعها، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة للمحافظة على السلم والأمن الدولتين.
وفي حالة ما إذا تعرضت مصر لاعتداء مسلح تتعهد بريطانيا العظمى بأن تبذل لها كل تأييد عسكري وغيره، وكل المعونة التي في وسعها، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة للمحافظة على السلم والأمن الدوليين.
Page inconnue