عيوب في دستور سنة 1923
تحدثت فيما سبق عن العيوب العامة لدستور سنة 1923، وعن الأوتوقراطية البرلمانية والحكومية التي نشأت عنه، ووجهت البلاد توجيها خاصا، صرفها عن خدمة المصلحة العامة والاهتمام بحل مشاكلها، وترقية شئونها إلى خدمة المصالح الحزبية، والالتفاف حول الأشخاص، ونشر النفوذ والسلطان بين الناخبين مما دعاني إلى تنقيحه، وإخراجه في شكل جديد.
وهنا أحدث القراء عما يوجد في هذا الدستور من عيوب خاصة أعانت على استفحال هذا الداء، وماذا خلا منه مما يعين على مكافحته، ليمكن تعديله أو إضافته دون المساس بأصوله الثابتة.
كثرة عدد النواب
جاء دستور سنة 1923 بعدد لأعضاء مجلس النواب أكثر مما تقتضيه ضرورات الحكم، وحالة البلاد الحاضرة، فقد جعل التمثيل بنسبة نائب إلى ستين ألفا من الأهالي، فكان عدد النواب 214 نائبا قبل سنة 1927، فلما ظهرت نتيجة الإحصاء الذي أجري في ذلك العام أصبح ذلك العدد 235 نائبا، ولا يزال ذلك العدد يزداد بتلك النسبة على اطراد كل عشر سنوات حتى أربى الآن على ثلاثمائة.
وقد كان عدد أعضاء مجلس شورى القوانين 30، وعدد أعضاء الجمعية التشريعية 38، فما شكا أحد من الأخيرة قلة أو ضآلة، والمعروف في علوم الاجتماع والمشاهد في المجالس الكبيرة العدد أنه كلما ازداد العدد كانت المناقشات أقل جدوى، واستقلال الرأي ونضوجه أضعف سببا، وقد حددت لجنة الدستور هذا العدد احتذاء لمثال بعض الدول الأجنبية.
على أن الاستكثار من عدد النواب في تلك الدول يلحظ فيه رقى التربية السياسية، وتعدد المصالح واختلافها؛ لكي يكون للآراء المتباينة، والمصالح المختلفة ممثل ينطق بلسانها.
وقد وجد «فريق الأوتوقراطية» في هذا العدد الكبير أداة مستحبة لاستهواء الأنصار أو إرضائهم، وطريقا معبدا لاستدامة نفوذه وسلطانه بما نشأ بينه وبين هؤلاء الأنصار من الاتفاق والتعاون: هم يؤيدونه بالاستسلام له في المجلس، وهو يجزيهم على ذلك تعضيدا، ومنافع أخرى تجعلهم أكثر حرصا على الاحتفاظ به، وتفانيا في الدفاع عنه، بل لم يكفه هذا العدد الكبير، فزاد من عدد أعضاء مجالس المديريات زيادة لا تقضي بها ضرورة، ولا تبررها مصلحة جعلت من أعضاء هذه المجالس ضعفي عدد النواب.
تحسين مستوى النواب
وليس من شك في أنه مع غلبة الشبه في نواحي الحياة المصرية، وقلة وجوه الاختلاف ودرجة التربية السياسية، يكفي عدد أقل من ذلك العدد بكثير لقضاء كل حاجات التمثيل في مجلس النواب، بل إن هذا العدد الأقل الذي سينتخب عن دوائر أوسع يكون بطبيعة الحال أرفع مستوى، وأكثر جدارة من متوسط النواب.
Page inconnue