أما مسألة السودان، فهي التي أشعرت بوادرها بما تنطوي عليه من اختلاف بين وجهتي النظر واستعصاء الحل، غير أنني كنت كبير الأمل في أن الجانب المصري سوف يوفق إلى إقناع الجانب البريطاني، بأننا لا نطلب جديدا غير موجود، وإنما نطلب الاعتراف بحقوق قائمة لا شك فيها مستندة إلى مظاهرها القانونية والفعلية، فإن السيادة على وادي النيل ووحدة ذلك الوادي الممثلتين في التاج المصري، حقيقتان ملموستان برغم محاولة الحكام البريطانيين، وبالأخص المحليون منهم تجاهلهما، أو الغض من شأنهما.
لم يكن مطلب مصر في مسألة السودان مستندا إلى نزعة استعمارية، أو ميل إلى سيطرة يتولاها المصريون على شعب يعتبرونه شعبا شقيقا عزيزا على قلوبهم، وإنما يقصد المصريون أن يحفظوا لأهل السودان عهد الأخوة الكاملة الشاملة، المؤسسة على ما أوجدته الطبيعة من التعاطف والتحاب بين الأخ الكبير والأخ الصغير.
فإذا ما تبين الإنجليز هذه الحقائق كان الرجاء عظيما في ألا يتشبثوا بما يتجافى والأوضاع السليمة فيما يتعلق بالسودان، خصوصا وقد صار واضحا استمساك المصريين بهذه الأوضاع الأساسية، التي لا يستطيعون التغاضي عنها بأية حال في حين أنهم في استمساكهم هذا منزهون عن مظنة الشهوة والغرض.
أعضاء الوفد البريطاني في المفاوضات يتوسطهم لورد ستانسجيت، وإلى يمينه السير رونالد كامبل السفير البريطاني، وإلى يساره المستشاران العسكريان.
إسماعيل صدقي باشا رئيس المفاوضين المصريين، وإلى يمينه لورد ستانسجيت، رئيس وفد المفاوضين الإنجليز في جلسة هادئة بسراي الزعفران، عقب النقاش الذي دار بشأن مسألة السودان.
اختلى إسماعيل صدقي باشا بالسير رونالد كامبل السفير البريطاني طويلا في برج العرب ... وهو هنا يتحدث إلى السفير عن الإصلاحات التي أدخلت على منطقة برج العرب خلال فترة الاستراحة من المفاوضات.
التحالف قائم ... ولا بد منه
أما رغبتنا في التحالف معهم، فلم نكن بحاجة إلى التدليل عليها، كما أنه لم تكن بنا من حاجة للبحث عن أمة كبيرة تساعدها وتساعدنا عند وقوع الخطر ... فإن بيننا وبين بريطانيا العظمى حلفا قائما فعلا ظهر أثره في أثناء الحرب الأخيرة، وجنى الإنجليز من مزاياه بقدر ما جنى المصريون، فلم نكن ذوي مصلحة في النكول عن حلف الإنجليز، فتستفيد من ذلك دولة أخرى.
وقد أقرت مصر وجهة النظر هذه، جاعلة شرطها الأساسي في تجديد العهد مع بريطانيا العظمى ضرورة استقلال البلاد استقلالا صحيحا لا شائبة فيه، مظهره الجلاء التام، مستمسكة بأمنية غالية أخرى وهي حل مسألة السودان، والانتهاء من الوضع الشاذ الخاص به، وذلك على أساس وحدة الوادي في رعاية تامة لرفاهية الشعب السوداني الشقيق.
استئناف المفاوضات
Page inconnue