لا يتصور في العقل وجوده، وفاقد الشيء لا يُعطيه.
ولو كان ممكنًا لافتقر في حدوثه إلى من يرجّح وجوده على عدمه لما تقدم، فإن استمرت الحاجة، فاستند كل في وجوده إلى نظير له من الممكنات لزم إما الدور القبلي (١) وإما التسلسل في
_________
(١) الدور السبقي، ويقال له القبلي: هو توقف الشيء على ما توقف عليه، وهو قسمان: مصرح، ومضمر.
فالمصرح ما كانت الواسطة فيه واحدة، مثاله كأن يقال مثلا: خالد أوجد بكرًا، وبكر أوجد خالدا، فبكر متوقف في وجوده على خالد ثم خالد توقف في وجوده على بكر والواسطة واحدة وهي بكر.
ويقال له: هذا دور بمرتبة. فإن تعددت المراتب كانت بحسبها، وهذا الدور باطل لما يلزمه من التناقض، إذ يلزمه أن يكون الشيء سابقًا لا سابقًا مؤثرًا لا مؤثرًا إلخ. بل يلزم أن يكون الشيء نقيض نفسه ضرورة المغايرة بين المتقدم والمتأخر، والأثر والمؤثر.
أما الدور المعي مثل توقف الأبوة على البنوة، والبنوة على الأبوة، فجائز. لأنه من باب الإضافات، وهي اعتبارية لا وجود لها، والتسلسل هو ترتب أمور بعضها على بعض بحيث يكون كل متأخر منها يتوقف في وجوده على سابق عليه. يكون علة له في وجوده إلى غير نهاية. ويسمى هذا النوع التسلسل في العلل، وفي المؤثرات، وهو باطل باتفاق العقلاء لما يلزمه من عدم وجود شيء من الحوادث، وهذا باطل بالمشاهدة.
وقد عرف السعد [هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، سعد الدين، من أئمة العربية، والبيان، والمنطق، ولد بتفتازان عام ٧١٢ هـ، وأقام بسرخس وأبعده تيمورلنك إلى سمرقند وتوفي فيها عام ٧٩٣ هـ. له مصنفات عديدة] . في "شرح المقاصد" الدور، والتسلسل بعبارة جامعة لهما فقال: هما أن يتوالى عروض العلية والمعلولية لا إلى نهاية، بأن يكون كل ما هو معروض للعلية معروضا للمعلولية، ولا ينتهي إلى حالة تعرض له العلية دون المعلولية، فإن كانت المعروضات متناهية، فهو الدور بمرتبة إن كان اثنين، وبمراتب إن كانت المعروضات فوق اثنين، وإلا فهو التسلسل.
1 / 17