قال: معظم النساء لا يعرفن عن الرجولة شيئا سوى أنها كفاءة الرجل الجنسية.
قلت: الرجل في رأيي يفتقد الرجولة مهما بلغت كفاءته الجنسية إذا كان غبيا أو ضعيف الشخصية أو متصنعا أو كاذبا.
ونظر إلي طويلا وقال: أين كنت كل هذه السنين؟ - كنت مشغولة بالبحث. - عن أي شيء؟ - عن كل شيء. - ألم تنالي ما تريدين؟ - الذي أريده لم أنله أبدا. - نحن لا نحصل على كل شيء في الحياة. - عشت في حرمان دائم. - الحرمان يجعل أوتار أعصابنا مشدودة نستطيع عليها العزف، أما الإشباع فيجعلها ترتخي فلا تخرج لحنا.
كان يكلمني، وكان ينظر في عيني دائما، لم أره مرة ينظر إلى ساقي، لم أره مرة يختلس النظر إلى صدري، وكنا وحدنا، والأربعة جدران مغلقة علينا، لكني لم أشعر أنه يرى الجدران أو يحس بها؛ كان يحلق في سماء عالية، وكنت أجلس إلى جواره بلحمي ودمي، لكني لم أحس أنه يخاطب جسدي، كان يخاطب عقلي وقلبي.
وأغمضت عيني في راحة واطمئنان. •••
جلست إلى جواره أنظر إلى أصابعه الطويلة الذكية وهي تمسك بريشة الكمان في ثقة وبراعة، والأنغام تترامى إلى أذني عالية هابطة، فرحة حزينة، صاخبة هامسة، ضاحكة باكية، وقلبي معها دقة بدقة، يعلو ويهبط، ويرقص ويبكي، ويئن ويضحك. وتوقفت أصابعه عن العزف، وسألني: ما رأيك؟ - رائع. - وضعته الآن فقط. - فيه بكاء وفيه فرح. - هذه حياتنا. - ما أجمل الفن! ... ليتني تعلمت الموسيقى لأخلق هذه الألحان. - ليتني تعلمت الطب لأشفي كل الناس. - الطب يشفي فقط ولكن الفن يشفي ويخلق. - يمكنك أن تخلقي في الطب جديدا؛ هناك أمراض ليس لها علاج حتى الآن.
ونظرت إليه ... - أين كنت كل هذه السنين؟ - كنت أبحث عنك. - كانت لك تجارب؟ - بالطبع. - وأنت؟ - بالطبع. - بالتجربة وحدها نتعلم.
وسمعت صوته العميق يناديني، وسألني: ماذا في عينيك؟
ووقف فوقفت، وقفنا متواجهين تفصلنا خطوة واحدة، وسمعته يقول بصوته الدافئ: أحبك. فشعرت بكل شيء في كياني يغوص إلى أعمق بعد من نفسي، ثم يرتفع فجأة إلى أعلى قمة منها، وابتسم، وقطع الخطوة التي بيننا في لحظة وأخذني بين ذراعيه، ووضعت رأسي على صدره. - لم هذه الدموع؟ - أحبك؟
وضمني إليه، ضمني حتى ضاع كياني في كيانه، وتلاشى وجوده في وجودي. •••
Page inconnue