كيف استطاعت أمي أن ترسب في نفسي ذلك الإحساس البغيض بأن جسدي عورة؟ إن الإنسان يولد عاريا ويموت عاريا، وما تلك الأثواب التي يلبسها إلا زيف يحاول أن يغطي به حقيقته.
وتركت الهواء يرفع عني أرديتي، وأحسست في تلك اللحظة أنني ولدت من جديد وولدت معي عاطفتي، ولدت لتوها حقا ، ولكنها ولدت عملاقا جبارا يريد أن يعيش ويطالب بحقه في أن يعيش. •••
سمعت صوت طرق شديد على باب بيتي في منتصف الليل، ورأيت بعض الفلاحين يحملون رجلا عجوزا مريضا.
فتحت لهم بابي وارتديت معطفي الأبيض ووضعت السماعة على صدر المريض.
اختلط في أذني دقات القلب بصوت أنين، فرفعت عيني إليه، ورأيت عيني الرجل تتعلقان بعيني وتتشبثان بهما كغريق على وشك الموت يتطلع إلى طوق النجاة.
وكأنما نسيت الطب، كأنما لم أكشف على مريض قبل اليوم، كأنما أرى لأول مرة في حياتي عيني إنسان يتعذب، كأنما أسمع لأول مرة صوت الأنين.
كيف كنت أكشف على المرضى كل تلك السنوات التي مضت؟ كيف استطاع أساتذة الطب أن يوهموني أن المريض ليس إلا كبدا أو طحالا أو مجموعة من الأمعاء أو المصارين؟ كيف جعلوني أنظر في العيون فلا أرى نضارتها، وأصوب إليها كشافي الكهربي وأقلب جفونها بأصابعي؟ كيف جعلوني أفتح حلوق الناس وأنظر فيها ولا أسمع الأنين؟
وأحسست برجفة عنيفة تهز كياني.
لأول مرة في حياتي أحس أن المريض إنسان كامل، كل لا يتجزأ.
لأول مرة يجتاز صوت الأنين المسافة بين أذني وقلبي.
Page inconnue