وكنت قد قرأت طويلا وشعرت بالتعب، فابتسمت قائلة: أريد أن أتمشى في الخلاء. - البسي معطفك وهيا بنا.
أدخلت نفسي في المعطف بسرعة وجريت إليه. كنت على وشك أن أضع يدي في يده وننطلق، نجري معا كما كنا نفعل ونحن أطفال، لكن عيني تعلقتا بعينيه فتذكرت فجأة السنين الطويلة التي لم ألعب فيها، ونسيت خلالها قدماي الجري، وتعودتا السير البطيء كالكبار، فوضعت يدي في معطفي وسرت إلى جواره في بطء.
وسمعته يقول: لقد كبرت. - وأنت أيضا. - هل تذكرين أيام كنا نلعب معا؟ - كنت تسبقني في الجري دائما. - وكنت تكسبين دائما في «البلي».
وضحكنا طويلا، ودخل هواء كثير إلى صدري فأنعشني وجعلني أحس أنني أسترجع بعض طفولتي المدبرة.
وقال: أريد أن أسابقك في الجري.
قلت في ثقة: سأسبقك.
قال: لنر!
ورسمنا خطا على الأرض، ووقفنا متجاورين، وصاح قائلا: واحد ... اثنين ... ثلاثة. فانطلقنا نجري الشوط.
كنت على وشك أن أصل إلى النهاية قبله، لكنه أمسكني من ملابسي من الخلف، فتعثرت قدمي ووقعت على الأرض ووقع إلى جواري. ورفعت عيني إليه وأنا ألهث، فرأيته ينظر إلي نظرة غريبة جعلت الدماء تصعد إلى وجهي، ورأيت ذراعه تمتد ناحية خصري، وهمس في أذني بصوت غليظ: سأقبلك.
انتفض كياني انتفاضة عنيفة غريبة، وتمنيت في لحظة ومضت في أحاسيسي كالبرق أن تمتد ذراعه أكثر وتضمني بقوة ... بقوة، ولكن رغبتي العجيبة الخفية تحولت حين خرجت من أعماقي إلى غضب شديد.
Page inconnue