ليتني كنت قديرا على ثانية الحياتين، ألا ما أحلى هذا العيش! وما أشد شوقي له! لو أن عندي ما يجعلني أحققه لما ونيت عن ذلك لحظة ... ولكن ليس عندي، ويل للوجود يعطي غير محتاج من جماعة الذين لا يرون لذة إلا أن يكنزوا عندهم مالا في حين يحرم الآخرين الذين يريدون إرسال هذا المال في الطريق الذي له خلق، الذين يريدون إنفاقه، يا أرواح العشاق والمحبين، يا عوالم الأرض والسماء، هاته الجمالات المحيطة بي، هل لك أن تسعدي إنسانا لو لا ما يجد فيك اليوم من العزاء لما عدل عن الموت بديلا؟
22 أغسطس
أي إحساس ذلك الذي يصيبنا ساعة ننظر إلى فتاة جميلة، ما تلك الهزة التي تداخل النفس وتحتل القلب وتملأ الفؤاد وتمتد إلى الجوانح ثم تعم وجودنا كله، أي سحر يكنه جمالها حتى ليذهلنا عن كل ما سواها.
ما أخذ جمال فتاة ببصري إلا أحسست بضعف أمامه يسهل معه أن أركع إلى قدميها، وأحسست في الوقت عينه بقوة كبيرة ترفع عندي الأمل في الحياة إلى ما لم أتصور من قبل، كلما تخيلت الدنيا وما بها من شقاء وألم، وهاته المساءات التي لا يفتر الإنسان يرمي بها أخاه الإنسان، خيم علي يأس شديد يكاد يقتلني، ورأيت العيش على الأرض شقاء من الجنون البقاء معه، فإذا ما خرجت إلى الناس ولاحظت منهم اهتمامهم بالحياه حتى ليرتكبون من أجلها أفظع الأعمال ، زدت برأي اعتقادا وهمت أفكر بتنفيذه، ثم إذا ما خرجت لي جميلة حلوة النظرات وحدثتها بكلمة أو تبادلنا ابتسامتين أو رنت إلي زال أثر ذلك كله، واحتل مكانه مخدر لذيذ أتوه بسكراته وأنسى معه كل أفكاري السابقة.
كم لهاته النظرات البريئة من القوة على القلوب الحساسة، لو أنك امتحنت نفس إنسان ساعة تتركه جميلة أعجب بها، لوجدتها تجمع بين الهناء والعذاب والسرور والألم والأسى والأمل، وكل ذلك ذو لذة منعشة مخدرة تصور أمامنا عالما كبيرا لا تغيب عنا دقائقه ولا جلائله، عالم الجمال العظيم.
هذا الضعف الإنساني أمام الجمال، هذا الذهول عن عالم المحسوسات وعن كل شيء إلا المحبوب الجميل، هذا التخدير الذي يصيبنا وتلك السكرة التي تحكم على كل حواسنا هذا كله منتهى السعادة.
لو أن هذا المحبوب خرج عن المدن وضجتها وصياحها وجدرانها المتشابهة الثقيلة الظل وشوارعها المملوءة ضوضاء وجلبة إلى فسيح من الأرض طلق الهواء يغطيه الشجر والزهر وينعشه الطير بحلو نغمته، بالله ألا يضيف إلى تلك الجنة الزاهية روحا تزيد في حياتها ومبلغ السعادة فيها؟
25 أغسطس
أسأل عن جنسيتي حيثما ذهبت، وأقول إني مصري فأحس أن مخاطبي يرمقني مستغربا، يرمقني بنظرة تذهب إلى سواد قلبي فتؤلمني، لم ذلك؟ لم هذا الإحساس المشوب بالغرابة عنده وبالألم عندي؟
أما عنه فلا أدري؟
Page inconnue