23 مارس
من آرل إلى طولون ... لا شيء يستدعي النظر غير البحر الأبيض الجميل الزرقة الخفيف الأمواج.
من طولون إلى نيس ... أخذت قطار شركة صغيرة من طولون إلى (هيير)، وأخذته لأنه يحاذي البحر فسار بنا من الصباح حتى الزوال بين البحر والجبل، والشمس تنكسر أشعتها على الأمواج زاهية تنسي الإنسان قتوم الشتاء العابس في باريس، ومن (هيير) إلى نيس رجعت إلى قطار ال (P.L.M) ، وبعد أن كنت في أرل ونيم بين الآثار القديمة تنبئ عن البائدين من بني الإنسان، أصبحت اليوم أسير بين آثار الطبيعة الهائلة الغريبة، بين جبال شامخة بعضها من الحجر الأحمر يقده الوابور كأنما يقد اللهيب وبعضا، من حجر متعدد الألوان غريب الشكل، ووصلت نيس حوالي العصر.
25 مارس
وصلتني هذا الصباح البوستة المحولة من باريس وبينها هذا الخطاب.
أخي محمد:
أكتب إليك والبلد تموج من أثر حادثة مقتل بطرس غالي، والحكومة تشدد النكير على كل من يظن صاحب أثر فيها، والبوليس السري يدور هنا وهناك وفي كل أنحاء العاصمة، والناس جميعا في انتظار نتيجة هذه الحالة الفردية الغريبة الكبيرة.
إما أنا فهادئ بين هؤلاء جميعا، وأنظر لما يدور بعين عودت أن لا ترى في الوجود خيرا ولا شرا، وأن لا تعتبر أكبر الحوادث التي يهتز لها الناس والحكام والعالم بأكثر مما تعتبر الحوادث الصغيرة التي تقع كل يوم؛ لأنها لا ترى في ندرة وقوع الأولى وخروجها عن المألوف من العظمة أو الغرابة ما يريد الناس أن يحبوه لها، ولا في كثرة وقوع الثانية وصغرها ما يضعف من أهميتها أو يقلل من قيمتها.
وأنت فما رأيك فيما يقع هنا؟ وماذا عساك وأنت بعيد عن التأثر بالحوادث تقول عنها؟ لعلك تخبرني بكلمة تذهب بكثير من الآراء التي تشعبت وانتشرت في البلد، وتجعلني أطمئن لرأي في هذه الحادثة التي يقولون ستكون ذات أكبر الأثر على مستقبل البلد.
هذا وأما عن خصوصياتنا فلا شيء جديد، غاية الأمر أني كنت أفتش بالأمس في دولابي فوقعت يدي على سبحة بلح مما كانت أحضرته عمتي ر. من الحجاز، فصممت على أن أرسلها لك وأنتظر أن أفعل، ويعدل هذه المسألة في الأهمية أن كتاب صديقي... كتب من أيام وهو أشد ما يكون جزلا، كما أنه بلغني من أخبار البلد أن خالتي سعدة مريضة، وأن ما أحرق من البخور من أجلها وما دفع لقياس (أطرها) ذهب أدراج الرياح.
Page inconnue