إنك كريم يا أستاذ، طالما جدت علي بضعف ما أستحقه في «التوصيلة»؛ لأن نظرك البعيد يرى أن بجانب أكل البهايم أكل العيال، ومن كان من أخلاقه الكرم والبحبحة فلا أظن أن يضن على حوذيه القديم بما يطلبه، أبقاك الله وجعلك ظلا لأمثالي المساكين الغلابة، وأنا يا سيدي عبدك المطيع المخلص.
حنفي أبو محمود
سليمان نجيب
18 رمضان سنة 1341
من الأستاذ فكري بك أباظة
عزيزي الأسطى حنفي
أشكرك كل الشكر على حسن ظنك بي، وما كان الأمر يحتاج إلى «الطلب» يا أسطى، كان يكفي أن تأمر فنجيب؛ لأن لك علينا «أفضالا» لن ننساها؛ لأنك لست حوذيا فقط، بل أنت «فيلسوف »، والفلسفة مبجلة في حد ذاتها، برفع النظر عن حيثية المتصفين بها!
حقا، إني لأكتب بعواطفي، لا أتكلف ولا أتصنع، فدعني أهنئك من صميم فؤادي، ولو كان كرباجك كقلمك لفاخرنا بك أعظم الأسطوات في جميع القارات!
تتبعت كلماتك كلها، وكلما قرأت واحدة استفزني الشغف بأسلوبها إلى انتظار الأخرى على أحر من الجمر، فرأيت «خفة الروح» تنساب بين السطور انسيابا، ورشاقة العبارات تتدفق تدفقا، فلما أخذتني الغيرة من ذلك الابتكار والتفنن؛ واسيت نفسي قائلا: «إن الأسطى حنفي لم يأت بشيء من عنده؛ لأن هذه «نفثات» الأنفاس بلا جدال، وهو مشغول «بالكر» نهارا وليلا «وبالشد» صباحا ومساء، ومن كانت هذه أدواته وحواشيه فمن يستطيع أن يماشيه؟!» «يمينا» يا أسطى، لست أحابيك ولا أداجيك، إنما أقرر الواقع، لقد «لذعت» بكرباجك العظيم ظهور المتهتكين والمتهتكات، المتحذلقين والمتحذلقات، وقديما كان الكرباج أداة التهذيب والتأديب، ولكن كرباج العهد الغابر كان يسيل الدم ولا يجرح النفس، أما كرباجك أنت فلا يسيل الدماء، ولكن يجرح النفوس، ونحن إنما نريد معالجة الأرواح لا الأبدان، فشكرا لك يا طبيب النفوس.
لا تفكر كثيرا في الأزمة يا أسطى، ولا تطمع، وما دام علفك وعلف أولادك ومواشيك موجودا فاحمد الله، وما دمت فليسوفا فليكن جيبك «فاضيا» كقلبك، ألا تعلم أن من تصدى لتهذيب الجمهور وجب أن «يدوسه الجمهور»؟ انظر «يمينك وشمالك» بسكوت، «وطبق» النظرية تجدها صحيحة، «فسر» في طريقك هادئا، ولا تجمد في «موقفك»، وأسمعنا «طرقعة كرباجك» فقد اختفى صوته من زمن بعيد، ولكن حذار أن تدفع أو «تجمح» فتكون التوصيلة «للواحات»!
Page inconnue