Mes mémoires 1889-1951
مذكراتي ١٨٨٩–١٩٥١
Genres
عبد الرحمن الرافعي
9 يونيو سنة 1945
كتبت هذا الخطاب بعد تفكير طويل، لأني أردت أن أحدد فيه الأهداف القومية في أعقاب الحرب العالمية، تحديدا يكون موضع اتفاق الجميع شعبا وحكومة ويكون شعارا للجهاد في هذه المرحلة الهامة من تاريخ مصر القومي، هل نطالب بالجلاء فقط ويكون مفهوما منه أنه الجلاء عن مصر والسودان معا ؟ ولكن أين الوحدة بينهما في هذا الطلب؟ هل نطالب بالجلاء والسودان؟ لقد ترددت في أن نطالب بالسودان؛ لأن النداء بهذا الطلب قد يجرح شعور إخواننا المجاهدين من أبناء الجنوب؛ لأنهم يأبون فيما أعتقد أن نعبر عن السودان كقطعة من مصر، ويريدون تعبيرا آخر يتفق مع تقدم الوعي القومي في جنوب الوادي ويوائم روح الاعتزاز بالكرامة في نفوس المجاهدين السودانيين. وإذا قلنا الجلاء عن مصر والسودان، ففي هذا التعبير ما قد يوحي بأن مصر قطر والسودان قطر آخر، وهذا ما لا نرضاه كدعاة للوحدة. ثم إن الجلاء عن مصر وعن السودان قد لا يتعارض مع الدعوة الانفصالية التي خلقها الاستعمار في السودان؛ فالجلاء عن كليهما لا يمنع الانفصال التام بينهما، ولا بد من تعبير آخر يكون وجيزا ويشمل الجلاء عن مصر والسودان مع ربط شطري الوادي برباط من الوحدة لا انفصام لها، تلك الوحدة التي هي ضرورة طبيعية وتاريخية وجغرافية لكلا الجزأين. فرأيت أن أوجز تعبير للأهداف القومية هو «الجلاء ووحدة وادي النيل»، وقد لا يعرف إلا القليلون أن هذا التعبير قد ورد لأول مرة على لساني بجلسة 8 ديسمبر سنة 1942 (ص99) وفي هذا الاستجواب، وصار شعار الجهاد في أعقاب الحرب العالمية الأخيرة.
أخذ هذا الاستجواب يؤجل من جلسة إلى أخرى إلى أن نظر بجلستي 6 و7 أغسطس سنة 1945 وفي كل مرة يزداد اهتمام الرأي العام به.
قالت الأهرام بعدد 22 يونيو سنة 1945: «وأما مصر فسيفتح ملف قضيتها وشيكا؛ فقد طلب الشيخ المحترم عبد الرحمن الرافعي بك استجواب الحكومة عن «عدم المبادرة بالمطالبة بأهداف مصر الأساسية وفي مقدمتها الجلاء ووحدة وادي النيل.» وقد نمى إلينا أن دولة رئيس الوزارة ينتظر عودة مندوبي مصر من مؤتمر سان فرانسيسكو ليقف على ما لديهم من بيانات ومعلومات عن قرارات المؤتمرين النهائية وعن الاتجاهات الدولية فيجمع اللجنة السياسية التي جمعها قبل السفر إلى المؤتمر ولعله بعد ذلك يدلي بتصريح في البرلمان خلال مناقشة الاستجواب الذي تقدمت الإشارة إليه أو قبل ذلك.»
وقالت أيضا بالعدد الصادر في 2 أغسطس سنة 1945: «عقد مجلس الوزراء ظهر أمس برياسة حضرة صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي باشا، وظل منعقدا إلى منتصف الساعة الثالثة. وقد عرض على المجلس في هذا الاجتماع البيان الذي سيلقيه دولة النقراشي باشا في مجلس الشيوخ يوم الاثنين المقبل لمناسبة الاستجواب المقدم من الشيخ المحترم عبد الرحمن الرافعي بك في موضوع مطالب مصر القومية وموقف الحكومة منها.»
وقالت بالعدد الصادر في 6 أغسطس سنة 1945: «يجتمع مجلس الوزراء ظهر اليوم برياسة صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي باشا للنظر في البيان الذي يلقيه دولته مساء اليوم في مجلس الشيوخ ردا على الاستجواب المقدم من الشيخ المحترم عبد الرحمن الرافعي بك في موضوع مطالب مصر القومية.»
شرحت استجوابي بجلسة 6 أغسطس شرحا وافيا استغرق خمس صفحات من المضابط، وخلاصة حديثي في تلك الجلسة أنه كان يجب على الحكومة أن تبادر إلى المطالبة بأهداف مصر القومية منذ الساعة الأولى، منذ أن وضعت الحرب الأوروبية أوزارها، بل منذ عقد مؤتمر القرم في فبراير سنة 1945، وكانت كل دولة تطالب علنا بأهدافها وحقوقها، وحذرت من قبول الاحتلال الأجنبي تحت أي وضع سواء كان انفراديا أو ثنائيا أو دوليا، وختمت حديثي بقولي: «لا يجوز لنا أن نقبل أن تكون مصر سوقا دولية أو محطة استعمارية؛ لأن مصر ليست سوقا، بل هي وطن، وهي وطن لأمة من أعرق الأمم في الحضارة والمدنية.»
وقد رد المرحوم النقراشي باشا على استجوابي ردا وافق فيه على الجلاء ووحدة وادي النيل، قال رحمه الله في هذا الصدد: «إذا كان ما قصد إليه حضرة المستجوب هو السؤال عما إذا كانت الحكومة تعتزم السعي إلى تحقيق تلك الأهداف، فليس الجواب إلا أن هذا واجب وطني لا يسع الحكومة أن تتخلى عنه أو أن تتردد في أدائه أو أن تفوت فرصة القيام به.»
إلى أن قال: «ثم إن مصر أقامت الدليل تلو الدليل على حفظها العهد وقد ناصرت حليفتها وأبلت في ذلك خير بلاء، وأبدت صادق العزيمة في مقاومة المعتدين وبذلت من المعونة لقضية الديموقراطية ما اعترفت الأمم المتحدة بجليل قدره وببالغ أثره في انتصار الحلفاء، وليس فوق ذلك كله سبب أكثر تبريرا وأقوى سندا لإنهاء القيود التي أحاطت استقلال البلاد ولتحقيق مطلبها من جلاء الجنود الأجنبية عنها. أما وحدة وادي النيل بمصره وسودانه فإن المبادئ التي أطلعها على العالم هذا العهد الجديد جديرة بتحقيقها لا سيما وأن هذه الوحدة تتفق مع صميم رغبات أبناء الوادي جميعا، ولا تتوقع الحكومة أي صعوبة في مفاوضة بريطانيا العظمى لأنها تلمس ما تكنه بريطانيا نحو مصر من حسن النوايا وخالص الصداقة، ولا شك في أنها تشاطر مصر الشعور بملاءمة الظروف وتدرك حق الإدراك أن هذه الحكومة تترجم عن مطالب الأمة جمعاء لا مطالب فريق دون آخر.»
Page inconnue