الفصل السادس
في خدمة الوطن
وإذا كنت إلى جانب ذلك أفخر بشيء آخر، فهو ما كنت أحظى به من تقدير الزعيم الخالد سعد زغلول، الذي كان يتفضل بتشريف حفلاتي، والتردد باستمرار على مسرحي لمشاهدة التمثيل، وإظهار الإعجاب بين وقت وآخر. وكل ذلك ملأني سرورا وفخرا كان لهما الفضل الأول في اجتهادي وموالاتي للعمل بنشاط ورغبة.
كان هذا منذ سنوات عديدة. فهل تدري ماذا كان في هذا العام (1936)؟ لقد تقدمت إحدى الجمعيات الخيرية إلى وزارة معارفنا الجليلة، ترجو السماح لها بدار الأوبرا الملكية لإحياء حفلتها السنوية، على أن تكون فرقة الريحاني هي التي تقوم بالتمثيل!!
فكان جواب الوزارة أن لا مانع من التصريح بالدار، على شرط ألا يسمح لفرقة الريحاني بالتمثيل على مسرحها!!
يالله!! الفرقة التي كانت منذ سنوات عديدة موضع تقدير الأمراء والزعماء والعظماء والكبراء!! تصبح اليوم غير أهل للظهور على مسرح الأوبرا - كما ظهر غيرها من فرق خلق الله؟!
ألا سامحك الله يا وزارة المعارف. وسامح رجالك العاملين.
في إحدى الليالي طرقت بابي فتاة بارعة الجمال، صغيرة السن تبدو عليها مظاهر الأرستقراطية، ومعالم «الأبهة» والفخفخة!! نظرت إلي من فوق لتحت!! وقالت: «أنت اللي بيسموك كشكش؟» فأجبت: «أيوه يا ستي أنا كشكش» فضحكت ضحكة فيها غير قليل من الاستخفاف وقالت: «النبي حارسك، أمال فين دقنك يا دلعدي؟».
نهايته أقول بأنني رغم هذا «استظرفت» الفتاة، وأعجبت بخفة روحها، ولطف حديثها، فسألتها عن اسمها وأجابت بأنها زينب صدقي!! طيب وعاوزة إيه يا ست زينب يا صدقي؟ عاوزة أشتغل ممثلة يا كشكش يا بيه!!
أهلا وسهلا م العين دي والعين دي. أصبحت زينب صدقي من هذه الليلة ممثلة بالفرقة. ولعل زينب لا يضيرها أن أصارح الجمهور بأنها لم تكن يوم أن قصدت إلى المسرح ميالة إلى التمثيل كل الميل، ولم تكن هوايتها للفن هي التي دفعت بها إلينا، وربما كان القصد قتل الوقت والتسلية، لأنها كانت في أخلاقها وحديثها أقرب إلى الطفولة منها إلى أي شيء آخر، ومع ذلك فقد أحبها كل من يظلهم سقف المسرح من ممثلين وممثلات، مصريين وأجنبيات، وهوت إليها أفئدتهم جميعا. وفي المقدمة (لوسي فرناي) الفتاة الفرنسية التي ذكرتها آنفا والتي عرف القراء أنها كانت شريكة لحياتي في تلك الآونة!! نعم أضحت لوسي وزينب صديقتين لا تفترقان.
Page inconnue