وفكرت طويلا قبل أن أجيبه إلى طلبه، ثم شاورت عقلي، بم أجيب؟ وإذا نزلت على تلك الرغبة فأي سلاح أختار؟ وهل هناك ما يمنع إذا صارحته بأن تكون «الصرمة» سلاحنا في مبارزة سلمية كهذه؟ «فالصرمة» على كل حال سلاح إذا طال عمره ما هو مسيح نقطة دم واحدة!
دارت هذه الأفكار في مخيلتي، ولكنني فضلت أن أحتفظ بهذا الاكتشاف الثمين في عالم المبارزة فتركت عزيزا دون أن أفوه بكلمة.
وقد قلت إننا بعد أن هجرتنا السيدة منيرة اتفقنا مع فرقة أبناء عكاشة على أن نعمل في مسرح دار التمثيل العربي ليلة بينما تعمل الفرقة العكاشية ليلة أخرى وهكذا.
وسار الحال على هذا المنوال إلى أن كان شهر مارس عام 1916 حيث أحسسنا أن وجودنا مع العكاشيين لم يزدنا إلا خيالا، فنشدنا الاستقلال وقررنا أن نترك ما لعكاشة لعكاشة، وننقل حالنا ومحتالنا إلى تياترو برنتانيا مرة أخرى. ومن فات قديمه تاه.
وبعد أن عملنا مدة شعرت أنني أزداد كل يوم نجاحا عن سابقه، وأن الجمهور يرمقني بشيء من انتباهه، ومع ذلك فقد كنت مهضوم الحق لا من الناحية المادية وحدها، بل ومن الناحية الأدبية كذلك. فتشجعت وطلبت إلى الأستاذ عزيز عيد أن يضع اسمي في إعلانات الفرقة، وأن تكلأني الإدارة بشيء من الرعاية من حيث تعريف الجمهور بممثل يحب الجمهور نفسه أن يعرف عنه الكثير. ولكن عزيزا رأسه وألف سيف، مش ممكن وضع الاسم. يا سيدي يهديك، مافيش فايدة. فلما فكرت في واقع الأمر، ورأيت الحالة المؤلمة التي تعيش فيها الفرقة قلت:
سيبك يا واد. بلا فرقة بلا دياولو. وما دامت الفرقة «ميتانة ميتانة» فأشرف لي أنني أموت بعيدا عنها، وأريح نفسي من قرفها .
انفصال ...!
وفي شهر مايو من عام 1916، وما زلت أذكر التاريخ تماما، هجرت فرقة الكوميدي العربي دون أن أفكر في العمل الذي أعيش منه.
وظللت شهرا ونصف شهر أقدح زناد الفكر، وأعرض على بساط البحث، اقتراحات كثيرة، بمشروعات أعمال واسعة النطاق، النجاح فيها مضمون 24 قيراطا. ولكن آخ يا خسارة. مافيش فلوس!
وفي تمام الساعة الواحدة من مساء يوم أول يونيو عام 1916 كنت جالسا في بوفيه تياترو برنتانيا. مفلسا كالعادة. وإذا بي أرى شخصا يهبط علي في سترة فاخرة وعصا ذهبية المقبض وخاتم يلعب شعاعه بالنواظر. فلما جلس إلى جانبي أخرج من جيبه علبة سجاير فاخرة من الفضة وفي حركة أرستقراطية فخمة، ناولني سيجارة!؟
Page inconnue