وتدخل علي شعراوي باشا قائلا: إننا في طلبنا الاستقلال، لسنا مبالغين فيه، فإن أمتنا أرقى من البلغار والصرب والجبل الأسود وغيرها ممن نالوا الاستقلال قديما وحديثا.
فاعترض السير ونجت بأن نسبة الأميين في مصر كبيرة، وهنا رد عليه عبد العزيز فهمي بك بأن هذه النسبة مسألة ثانوية فيما يتعلق باستقلال الأمم؛ لأن الذين يقودون الأمم في كل البلاد أفراد قلائل، وإن شروط الاستقلال التام متوفرة في مصر.
وقال السير ونجت: لقد كانت مصر عبدا لتركيا، أفتكون أحط منها لو كانت عبدا لإنجلترا؟! وهنا تصدى له علي شعراوي باشا قائلا: قد أكون عبدا لرجل من الجعليين، وقد أكون عبدا للسير ونجت الذي لا مناسبة بينه وبين الجعلي ، ومع ذلك لا تسرني كلتا الحالتين؛ لأن العبودية لا أرضاها ولا تحب نفسي أن تبقى تحت ذلها، ونحن كما قدمت نريد أن نكون أصدقاء لإنجلترا صداقة الأحرار لا صداقة العبيد.
وتذرع السير ونجت بحجة أن موقع مصر حربيا وجغرافيا يجعلها عرضة لاستيلاء كل دولة قوية عليها. فأجابه سعد زغلول باشا بقوله: متى ساعدتنا إنجلترا على استقلالنا التام، فإننا نعطيها ضمانات معقولة على عدم تمكين أي دولة من استقلالها والمساس بمصلحة إنجلترا، ونحالفها على غيرها ونقدم لها عند الاقتضاء ما تستلزمه المحالفة من الجنود.
وأضاف علي شعراوي باشا: يبقى أمر آخر، وهو حقوق أرباب الديون الأجانب، فيمكن بقاء المستشار الإنجليزي؛ حيث تكون سلطته هي سلطة صندوق الدين العمومي.
وأنهى السير ونجت اللقاء بقوله: لقد سمعت أقوالكم، وإني أعتبر محادثتنا محادثة غير رسمية بل بصفة حبية، فإني لا أعرف شيئا عن أفكار الحكومة البريطانية في هذا الصدد!
وقد تدارس الثلاثة أثر هذه المقابلة فيما دار بينهم وبين السير ونجت؛ حيث فهموا أن الحكومة البريطانية لا تفكر في المسألة المصرية قبل عقد الصلح وانتهائها من حل المشاكل المترتبة على الحرب، وفهموا أيضا أنها حتى لو فكرت في ذلك، فليس في نيتها إلغاء الحماية والاعتراف باستقلال البلاد لما بدا من دهشة على السير ونجت عندما تناولوا معه الكلام عن الاستقلال.
ولما كانوا قد عرفوا من خلال حديثهم مع السير ونجت أنه لا يعرف بعد رأي حكومته في المسألة المصرية، فقد انتهزوها فرصة ملائمة لطلب السفر إلى لندن للتباحث مع أولي الأمر هناك في المسألة وإطلاع الرأي العام عليها، وقد كتب سعد وأصحابه إلى قيادة الجيش الإنجليزي مستأذنين في السفر ومطالبين بجوازات السفر في أقرب فرصة. واتسعت حلقة المكاتبات بينهم وبين القيادة البريطانية ودار المندوب السامي.
وكانت وزارة حسين رشدي باشا في الحكم وقتئذ، فطلبت التصريح لأعضاء الوفد بالسفر إلى مؤتمر الصلح، فلم يوافق الإنجليز، ورأت الوزارات أن تستقيل لهذا السبب. وظل الوفد يطالب بالسماح له بالسفر دون جدوى، وعزز طلبه وتضامن معه جميع الوزراء السابقين وكل أصحاب المكانة والكفاية في البلاد، وأضربوا عن الاشتراك في تأليف أية وزارة ... وبقيت البلاد بلا حكومة فترة من الزمن ...
اعتقال زعماء الوفد
Page inconnue