فقد حدث عندما كنت في دور النقاهة من مرض ألم بي، وكانت والدتي تجلس بجانب فراشي فغلبني النعاس، وعندما أفقت من النوم، وجدتها في جانب من الغرفة ومعها خالتي تتبادلان حديثا يشوبه الجد، وسمعت خالتي تقول: إنه سيأخذها رغما عنك؛ لأنه سيطلبها من الخديوي، وحينئذ لا يمكنك إلا الإذعان لأمره. فردت عليها والدتي قائلة: وهل ابنتي بلا عريس؟ إنني سأزوجها من ابن عمتها، فقالت خالتي: حرام عليك أن تفعلي ذلك، وتزوجي هذه الطفلة من رجل له أولاد أكبر منها سنا، فقالت لها أمي: إنه ابن عمتها وصاحب الأمر في كل شيء ... عندئذ غضبت خالتي وقالت لها سنرى من الذي يفوز في النهاية؟ ...
وشعرت كأن الغرفة تدور بي، وبكيت في صمت بكاء مريرا، وتذكرت ما كنت أسمعه من الجواري والمربيات عندما كان يأتي ابن عمتي لزيارتنا، فقد كن يقلن لي إذ ذاك: لقد أتى عريسك فأنزلي لتسلمي عليه.
وبعد فترة من هذا الحديث لاحظت أن ابن عمتي يكثر من المجيء إلى مصر، ويجالس والدتي كثيرا، فكان يداخلني الشك في أن الأمور تسير في مجرى التحقيق، ولكن كان يزول هذا الشك عندما كنت أرى والدتي تناقشه في غضب وحدة، ولذلك فإنني بتوالي الأيام نسيت هذه المسألة.
إلى أن جاء يوم نادتني فيه والدتي، وكان أمامها صندوق مليء بالحلي والمجوهرات من محل نجيب بك الجواهرجي ... وقد خيرتني في انتخاب قطعتين منها فسألتها عن السبب في ذلك، فأجابتني بأن هذا وفاء لنذر عليها نذرته لشفائي من مرضي. وصدقت، واخترت عقدا جميلا وسوارين من الماس ... ثم هرولت إلى غرفة والدتي الكبيرة لأريها هذه الهدايا النفيسة لتشاركني فرحتي بها، وكانت وطأة المرض قد اشتدت عليها، ورغم ذلك فرحت لفرحتي ونثرت علي عطرا كان بيدها، ولولا وفاتها بعد ذلك، لكنت قد علمت منها الحقيقة، ولكن للأسف لم يعد بعد وفاتها من يكاشفني الحقائق أو يفسر لي ما يتعسر علي فهمه.
ولقد حزنت عليها حزنا عميقا، وكانت قد أهدت لي خاتما يوم ختمت القرآن، فأصبح هذا الخاتم تذكارا خالدا وعزيزا لا يفارق إصبعي.
وقد لاحظت بعد ذلك أنه كلما أتت زائرة لوالدتي، صعدت «فطنات» إلى الطابق العلوي، وأخرجت قطعتي الماس من الدولاب وعادت بهما إلى غرفة الضيوف لتتفرج عليهما الزائرات. وكنت أبدي دهشتي لذلك، وأخجل من أن يظن الناس أننا حديثو نعمة!
ثم لاحظت بعد ذلك أن «فطنات» وبعض الجواري يهيئن «الشور» وهي عبارة عن قطع مربعة من الحرير أو التيل الأبيض مزركشة بخيوط الذهب أو الفضة.
ولما كنت أدرك أن هذه القطع تهدى للمدعوين يوم عقد القران، فقد سألت لمن تعدون هذه «الشور» فقيل لي: إنها لقران ابنة أحد الباشوات الذي سيعقد قريبا ...
ثم رأيت بعض إصلاحات تجري في المنزل، وقررت والدتي أن نقضي فصل الشتاء في حلوان إلى أن يتم الإصلاح ... فاستأجروا لنا بيتا صغيرا بالجهة الشرقية قرب الأرض المقامة عليها المصحة الآن ... وكانت من قبل خالية تؤدي إلى الجبل.
فسافرنا إلى حلوان دون أن يساورني أي شك من ناحية هذه الاستعدادات.
Page inconnue