قال: خطبة جميلة.
ثم أخرج من جيبه ورقة كبيرة من ذلك النوع الفخم الأنيق وأخذ يتلو علي في صوت تعبث به غنة الطرب والإعجاب، ورأسه يترنح ذات اليمين وذات الشمال، ووجهه يطفح بشرا، وعيناه ضاحكتان: إلى إلهة الفن، وربة النبوغ، إلى ذلك العصفور المغرد فوق أفنان العبقرية، إلخ ... من تلك الكلمات المرقشة التي تجعل من الفن أغصانا وأشجارا، بل وروضة كاملة، وتجعل من مومسته عصفورا يتغرد فوق أفنانها.
وبعد تلك المقدمة الطويلة التي لا تنتهي من روضة إلا إلى غصن، ولا من شجرة إلا إلى طائر، قال: «إلى ...
نتقدم بمجهود سنة كاملة، وثمرات قريحة مخلصة دائبة ... نتقدم بمجموعة رواياتنا التي ترجمناها وأعددناها لسنتنا المقبلة.»
وبعد أن أتم صاحبي خطابه، طواه بعناية ووضعه في محفظة أنيقة أعدت لذلك، ثم رفع إلي وجهه وقال: ما رأيك؟
فقلت: تسألني عن رأيي؟
قال: نعم.
قلت: إنك بعملك هذا تهين كرامتك ويراعك وقريحتك، وتجعلها تنظر إليك كما تنظر إلى مهرج معتوه، حسبها أن تلقي عليه نظرة راضية من وراء أهداب علقت بها شهوات كثيرة، حتى تستعيده إليها راضيا بكل ما تأمر.
ثم إنك بهذا لا تطمئن إلى رضاها ولا تأمن غدرها؛ لأنك تعلم أنها أمة الدرهم والدينار. فلو عرض عليها غيركم مقدارا أوفر مما تعرضونه عليها لاتبعته، ولسخرت بكل خطبكم المنسقة ومجهوداتكم الفائقة . وبذلك تكونون قد خسرتم كرامتكم وكل ما لديكم، ولم تظفروا بشيء.
وقد هالت صاحبي كل هاته الصراحة، فلم يجب إلا بهزة من كتفه وبابتسامة ذاوية متصنعة أردفها بقوله: «لقد غلوت كثيرا، فإنها لا تتسفل لمثل هاته الوهاد ...»
Page inconnue