على خلقٍ لم تلفِ أمًا ولا أبًا ... عليهِ، ولم تدركْ عليهْ أخًا لكا
سقاكَ أبو بكرٍ بكأسٍ رويةٍ ... وأنهلكَ المأمورُ منها، وعلكا
فبلغت أبياته رسول الله، ﷺ، فأهدر دمه. فكتب إليه بجير بذلك، وقال له: إنه من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، قبل منه، وأسقط ما صدر منه. فأقبل كعب حتى دخل المسجد، فجلس بين يدي رسول الله، ﷺ، وقال: الأمان، فقال: من أنت؟ فقال: كعب بن زهير: فقال: أنت الذي تقول، وسأل أبا بكر عما قال، فأنشد البيت، فقال النبي، ﷺ: مأمون والله. وفي رواية أخرى أن كعبًا أتى أبا بكر فعرفه نفسه، فأتى أبو بكر إلى النبي، ﷺ، فقال: رجل يبايعك على الإسلام، فبسط يده، فقال كعب بأبي أنت مكان العائذ بك، أنا كعب. فتجهمته الأنصار، وغلظت عليه، لما كان ذكر به النبي، ﵇. فأنشد النبي، ﷺ قصيدته المشهورة:
بانت سعادُ فقلبي، اليومَ، متبولُ
حتى بلغ إلى قوله:
نبئتُ أنَّ رسولَ الله أوعدني ... والعفوُ عندَ رسولِ الله مأمولُ
وقال كلُّ خليلٍ كنتُ آملهُ ... لا ألهينكَ أني عنكَ مشغولُ
فقلتُ: خلوا سبيلي لا أبالكمُ ... فكلُّ ما وعدَ الرحمن مفعولُ
كلُّ ابنِ أنثى، وإنْ طالتْ سلامتهُ ... يومًا على آلةٍ حدباءَ محمولُ
إنَّ الرسولَ لسيفٌ يستضاءُ بهِ ... مهندٌ من سيوف اللهِ مسلولُ
في فتيةٍ من قريشٍ قال قائلهم ... ببطنِ مكةَ، لما أسلموا، زولوا
زالوا، فما زالَ إنكاسٌ ولا كشفٌ ... عندَ اللقاءِ، ولا خورٌ معازيلُ
لا يقعُ الطعنُ إلا في نحورهمُ ... وما بهم عن حياضِ الموتِ تهليلُ
فنظر النبي، ﵇، إلى من عنده من قريش، كأنه يومئ إليهم أن اسمعوا، حتى قال:
يمشونَ مشيَ الجمالِ الزهرِ، يعصمهمْ ... ضربٌ إذا عردَ السودُ التنابيلُ
يعرض بالأنصار. فأنكرت قريش ما قال، وقالوا: لم تمدحنا إذا هجوتهم. فقال:
منْ سرهُ كرمُ الحياةِ فلا يزلْ ... في مقنبٍ من صالح الأنصارِ
الباذلينَ نفوسهمْ لنبيهم ... عندَ الهياجِ وسطوةِ الجبارِ
والضاربينَ الناسَ عن أديانهم ... بالمشرفيّ، وبالقنا الخطارِ
صدموا الكتيبةَ يومَ بدرٍ، صدمةً ... ذلتْ لوقعتها رقابُ نزارِ
فكساه النبي، ﷺ، بردة، اشتراها معاوية بعد ذلك بمال كثير. فهي البردة التي كانت يلبسها الخلفاء في العيدين.
وكان الحطيأة راوية لزهير وآل زهير، فقال يومًا لكعب: قد عرفت انقطاعي إليكم أهل البيت، وقد ذهبت الفحولو غيرك وغيري، فول قلت شعرًا تذكر فيه نفسك وتضعني معك موضعًا، فقال:
فمنْ للقوافي شانها منْ يحوكها ... إذا ما ثوى كعبٌ، وفوزَ جرولُ
كفيتكَ لا تلقى من الناسِ واحدًا ... تنخلَ منها مثلما يتنخلُ
فاعترضه مزرد أخو الشماخ فقال:
باستكَ إذ خلفتني خلفَ شاعرٍ ... من الناسِ لم أكفي، ولم أتنخلِ
فلست كحسان الحسام بنِ ثابتٍ ... ولست كشماخٍ، ولا كالمنخلِ
وكذلك يقول الكميت في آخر قصيدته:
فما ضرها أنَّ كعبًا ثوى ... وفوزَ من بعدهِ جرولُ
ومن جيد شعر كعب قوله:
لأي زمانٍ يخبأ المرءُ نفعها ... غدا، فغدا والدهرُ غادٍ ورائحُ
إذا المرءُ لم ينفعكَ حيًا، فنفعهُ ... أقلُّ إذا رصتْ عليهِ الصفائحُ
أخذه أبو العتاهية فقال:
إني رأيتك للدنيا وزينتها ... وما أريدكَ يومَ الدين للدينِ
وأما العوام بن عقبة بن كعب بن زهير فما اختير من شعره من قصيدة كثيرة المحاسن، وهي قوله:
فوالله ما أدري إذا أنا جئتها ... أأبرئها من دائها، أم أزيدها
فلم يبقَض يا سوداءُ نتئٌ أحبهُ ... وإنْ بقيت أعلامُ أرضٍ، وبيدها
سوى نظرةٍ من شبه سوداءَ إذ بدا ... لعينيَّ من أمّ الغزالةِ جيدها
لقد كنتُ جلدًا قبل أن توقدَ النوى ... على كبدي نارًا، بطيئًا خمودها
فلو تركتْ نارُ الهوى لتضرمتْ ... ولكنَّ توقًا، كل يومٍ، يزيدها
وقد كنتُ أرجو أن تموتَ صبابتي ... إذا قدمتْ أيامها وعهودها
1 / 9