المصنف وما يقرب منه.
فان الفرق بين ( يا أرض ابلعي ماءك ) و ( تبت يدا أبي لهب ) من قبيل الأمثال في الشهرة ، فان كان الباري تعالى قادرا على جعل كل الايات في غاية مرتبة الفصاحة ولم يجعل ، يلزم البخل بل نقض الغرض ، بعد فرض كون الفصاحة من جهات الاعجاز فيه ، وإلا يلزم العجز عليه تعالى وهذه الشبهة أوهن من نسج العنكبوت لو كانوا يعلمون.
توضيح ذلك : إنا نختار انه تعالى قادر عليه ، كما انه قادر على كل شيىء ، لكن ترك ذلك لا يستلزم البخل ولا نقض الغرض ، اذ المقصود من تنزيل القرآن تذكرة الناس ، وتعليمهم الاحكام ، وإرشادهم عن الضلال ، وتنبيههم عن الغفلة وهدايتهم الى طريق الصواب.
ولا دخل للفصاحة في شيىء منها ، إلا للأوحدي من الناس ، الذي يجعلها مستند الاعجاز الكاشف عن ارتسامه بقلم القدرة ، وصدوره عن لسان الغيب ، ويكفي بالنسبة اليه كونه في مرتبة الفصاحة ، بحيث يعجز الفصحاء عن الاتيان بمثل آية منه ، وإن لم يكن جميع آياته في غاية مرتبة الفصاحة ، مضافا الى ما سيأتي من بعض العلماء ، من أنه لو جاء القرآن كله على الوجه الأفصح لكان على غير النمط المعتاد في كلام العرب ، من الجمع بين الافصح والفصيح ، فلا يتم الحجة في الاعجاز ، اذ للناس ان يقولوا للنبي صلى الله عليه وآله :
أتيت بما لا قدرة لنا على جنسه ، كما لا يصح من البصير ان يقول للأعمى قد غلبتك بنظري فتأمل.
Page 57