لأن تبايُننا لم يكن ... عداوة وغرٍ لنا باطن
١٠٦ - قال صاحب الكتاب: ويقال من كان أصل أمره عداوة ثم أحدث صداقة لحاجة حملته على ذلك، كان صاحبه جديرًا بالاحتراس منه لأنه إذا بلغ حاجته عاد إلى أصل أمره كالماء الذي يسخن بالنار فإذا أبعد عنها عاد إلى البرودة
" ١٤٧ " قال الشماخ:
فأظهر ودًا والعداوةُ سرُّهُ ... لحاجته كانت إليَّ فأسرفا
فكنت له بالاحتراس وغيره ... لدُن ظهرت منه المودةُ مضعفا
لعلمي به أنه سوف يرجعُ بالتي ... تكون علينا منه بالعود أخوفا
١٠٧ - قال صاحب الكتاب: ويقال لا تأمن عدوًا رجع إليك بنفسه ووده، وإن أوليته من البر واللطف والإكرام ما ظننت انك قد سللت به سخيمته ولو خلطته بنفسك فأن الماء لو أسخن فاطيل إسخانه لم يمنعه ذلك من اطفاء النار.
" ١٤٨ " قال أبو الأعور السُّلمي في خالد بن المُعمَّر الرَّبعي وكان من أشد من كان مع علي الهابا على أهل الشام لمعاوية، لما ورد خالد بن المعمر في وفد بكر بن وائل:
أتدنيه وكان عدوَّ سوءٍ ... لما أصبحت فيه بالمُصيبِ
إذا أوليتهُ بِرًا ولطفًا ... وإكرامًا على وغرٍ عجيب
ظننت وذاك عجزٌ ترتديه ... حياتك في شهودك والمغيب
بهذا إن سللت سخيم صدرٍ ... لقد أخطأت تدبير اللبيب
فإن الماء يُطفئ وهو آنٍ ... شديدُ الحرِّ ساميةَ اللَّهيبِ
١٠٨ - قال صاحب الكتاب: ويقال العدو الضعيف أقرب إلى السلامة من العدو القوي إذا احترس منه ولم يغتر به من القوي إذا اغتر بالعدو الضعيف واسترسل إليه
" ١٤٩ " قال في مثله زبان الفزاري في بيهس بن غُراب الفزازي حين اغتر به قاتل أخويه وهو غلام فاستعبده فلم يزل بيهس يلطف وذاك مغترٌ به حتى قتله وأهله:
لما اغتررت به أن قلت ذا ضعفٍ ... رماك بالكيد والدهياء من كثبِ
فأدرك الوتر مُسْتَغنٍ بوحدتهِ ... عن النَّصيرِ ولم يسأم من الطلبِ
مثلُ الضعيفِ إذا أذكى محارسهُ ... خوف القويِّ فلم يظفرهُ بالحربِ
١٠٩ - قال صاحب الكتاب: ويقال العاقل يصانع عدوه إذا اضطر إليه ويظهر له ودًا ويعجل الانصراف عنه إذا وجد إلى ذلك سبيلًا
" ١٥٠ " قال في مثله عمران بن حطان لما نزل بزفر بن الحارث وهو هارب من عبد الملك بن مروان فلم يزل عنده ينتمي إلى غير قومه متحيرًا فلما وضحت سبيله رحل عنه:
لاطفته بودادٍ أضطررتُ له ... نضعفًا وهو ذو غلٍّ وأحقادِ
ثم انصرفتُ وشيكًا عنه إذ وضَحتَ ... سُبلي ولم أتلبث لُبثةَ الزادِ
١١٠ - قال صاحب الكتاب: ويقال للأحقاد في القلوب مواقع موجعة ناكية والألسن لا تصدق على القلوب والقلب على القلب أعدل شهادة من اللسان.
-
١٥١ " قالت اعرابية تكذب منتحلًا ودها:
نبَّى لِسانُكَ عن ودِّ الضمير بما ... لم يزكُ عندي وإن أطنبت في الحلف
القلبُ يعرفُ ما في قلبِ صاحبهِ ... بشاهدٍ منهُ زاكٍ غير ذي قَرفِ
والقلبُ عدلٌ على قلبِ المُحبِّ له ... لا البثُّ بالزور عن سوءِ امرئ صَلِفِ
١١١ - قال صاحب الكتاب: ويقال الأحقاد مخوفة حيث كانت وأشدها وأخوفها ما كان في أنفس الملوك لأن الملوك يدينون بالانتقام ويرون الطلب بالوتر مكرمة وفخرًا
" ١٥٢ " قال في مثله سعدُ بن بشر بن عمرو بن مرثد في طرفة حين وشى به عبد عمرو بن بشر بن مرثد إلى عمرو بن هند أنه هجاه. فكان من حيلة عمرو بن هند في قتله ما كان. وكان بشر بن عمرو بن مرثد زوج أخت طرفة وكان طرفة قد هجاه أيضًا: لا تأمننَّ أخا حقدٍ وإن سَلفَت به الليالي في جد ولا لعبِ
فأخوف الحقد حقدُ الملك نعلمَهُ ... في حيثُ أصبح من بُعدٍ ومن قربِ
أرى الملوك وفي الأنباء موعظةٌ ... تدين لله بالإعزاز والطلبِ
بالوتر تعتده فخرًا ومكرمةً ... وذلك النسب المشهور للعربِ
1 / 15