Problèmes de la civilisation moderne
معضلات المدنية الحديثة
Genres
نتاج القوة المخيلة أو المصورة، والآداب
Literature
نتاج القوة النظرية والبحث الاستنتاجي. فالآداب بذلك دعامة العلم التجريبي الاستقرائي، والعلم لا محالة مسبوق بها، وهي في ذاتها علوم أولية لا تزال في طور التكوين والنشوء
Incipient Sciences ، ولكنها ليست علوما يقينية تميزت وتقررت قواعدها شأن العلوم الرياضية والطبيعية مثلا. ويصح أن تكون بعض مباحث الآداب في اعتبار البعض علوما نظرية لا تجريبية يقينية. «فالعلم» تتبعه الرياضيات وعلوم الطبيعة والكيمياء والآلة وما إليها، و«الفن» يتبعه الشعر والموسيقى والتصوير وما إليها، و«الآداب» تتبعها البلاغة والتاريخ والاجتماع والفلسفة عامة في أوسع معانيها. وهذا التقسيم نفسه قد يختلف فيه الباحثون اختلافهم في تعريف النفس والفلسفة العقلية، غير أن الرأي السائد في عقول الناظرين في منتجات العقل الإنساني أنهم يفرقون بين العلم والفلسفة أو الآداب كما يدعونها اصطلاحا، باعتبار أن كل ما خرج من حيز النظر إلى حيز العمل والتجربة فأصبح ذا قواعد طبيعية ثابتة لا ينتابها التغير ولا يعتريها التبديل؛ فقد أصبح علما يقينيا
، وكل ما لم يدخل ذلك الحيز فهو فلسفة أو أدب
Literature ، ذلك هو الفرق الموضوع اليوم بين الفلسفة أو الآداب وبين العلم.
ولقد قامت في أوروبا مدرسة أخصها أساتذة التاريخ في جامعة «السوربون» بفرنسا، وعلى رأس هذه المدرسة الأستاذ الفيلسوف «هنرى برغسون»، يحاولون أن يكشفوا عن قانون أو سنة عامة يخرجون بها التاريخ من حيز الآداب أو الفلسفة أو الفن، كما يتطرف البعض في التعبير، ليدخلوه في حيز العلم المحض، بحيث يصبح للتاريخ قواعد راهنة تنتج أسبابا واحدة، وجاراهم في ذلك فئة من كتاب هذا العصر.
وإذا نظرت في الواقع، لوجدت أن كل فرع من فروع الآداب والفلسفة قد اشتقت منه علوم تختلف نظرات الباحثين فيها اختلافا كبيرا أو يسيرا على مقتضى الظروف، فأمم العالم مثلا تتفق جميعها في قطع أدوار نشوئية عامة، فلكل أمة مثلا عصر حجري وعصر برونزي وعصر حديدي، ولكن التاريخ لم يصل إلى هذا الحد من العلم اليقيني حتى نزعت العقول إلى القول بأن البحث في ذلك ليس من خصائص التاريخ، فوضع لهذا الفرع من التاريخ اسم خاص أطلق عليه فسمي «علم الأنثروبولوجيا»، وهو علم أدنى لحمة بالاجتماع والسيكولوجيا منه بالتاريخ بمعناه المتداول المعروف. كذلك إذا نظرت في التاريخ وفي فلسفة التاريخ التي كتب فيها «هردر» الفيلسوف الألماني و«فولتير» الكاتب الفرنسوي الأشهر، فإن فلسفة التاريخ لم تلبث أن انقلبت اجتماعا، وتركت التاريخ حيث هو وكما كان معروفا من قبل. وكل هذا لا يجعل التاريخ علما ثابتا ذا قواعد مقررة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
إن قانون الارتقاء الذي غير من نزعات الإنسان ومشاعره وصب كل جماعة من الجماعات في قالب خاص بها، لم يجعل للتاريخ من سنة عامة تكافئ بين حالات الإنسان في كل عصر من العصور، وإلى ذلك يرجع السبب في أن العلل الواحدة التي تؤثر في حالات الاجتماع الإنساني قد تنتج نتائج مختلفة باختلاف الظروف والحالات والمؤثرات الخفية التي لن نعرف منها إلا ظواهرها دون حقائقها وماهياتها .
يقول هربرت سبنسر: «إن تاريخ العضويات يثبت أن الارتقاء الحقيقي ينحصر في التغاير من حال التجانس إلى حال التنافر، وإن سنة ذلك الترقي العضوي هي سنة ضروب الترقي كافة. ثم يقول: إن كل ما في الكون مثل تكوين الأرض، ونشوء الحياة فيها، ورقي الجماعات في العمران، ونشوء الحكومات والصناعات والمتاجر والآداب والعلوم والفنون جماعها تخضع لهذه السنة الطبيعية في التغاير التدرجي من الوحدة النوعية إلى الاختلاف والتكاثر النوعي. فإن الانتقال من حالة التجانس إلى التنافر كان السبب الوحيد في حدوث الارتقاء منذ ظهر أول أثر للتغايرات الكونية في الوجود إلى أن بزغ فجر المدنية في تاريخ الإنسان.»
Page inconnue