Problèmes de la civilisation moderne
معضلات المدنية الحديثة
Genres
والظاهر أن النتيجة أو الغاية التي يرمي إليها التطور الاجتماعي هي الحصول على نظام يعمل أفراده في تجانس وتعاون عمل الخلايا في الجسم الحي جارية على طريقة آلية متقنة الضبط. أما درجة التركيب والاختلاط التي يمكن لمثل هذا النظام أن يبلغها قبل أن يصل إلى ذلك التعادل المتقن التام، فمرهونة عندي على مقدار الذكاء الذي يكون في كل وحدة من الوحدات - أي الأفراد - التي تكون ذلك النظام.
فإذا صح هذا فإنه يمكننا أن نستنتج أنه إذا بلغت تلك الآلية الاجتماعية هذا المبلغ من الكمال، كان ارتقاؤها بعد ذلك بطيئا، فإن الارتقاء لبلوغ هذه الدرجة يكون راجعا إلى تهذيب الصفات والغرائز الاجتماعية، وهي سريعة التغير والنشوء، ولكن بلوغ الدرجات التي تليها يكون راجعا إلى نشوء الصفات العضوية والعقلية العليا، وهذه بطيئة التدرج نحو التهذيب والارتقاء.
فإذا رجعنا إلى تاريخ الإنسان رأينا أن أوجه ذلك التغير العضوي العقلي بطيئة إلى درجة قصوى، واستنادا على هذا نقول بأن المتجه الحديث الذي يتجه نحوه التطور الاجتماعي هو حضارة فيها من أوجه التشابك والتعادل والتعاون أكثر مما يكون فيها من أوجه الرقي العقلي. سوف تقوم الحضارة المقبلة على الرقي الأدبي لا على الرقي العضوي، وأن الحضارة سوف تمضي في استئصال المجرمين والكسالى والأنانيين والخارجين على قواعدها، ولا مرية في أن هذا لا يمكن أن يتم في جيل واحد، ولا في أجيال.
ولا يستطيع من كان مثلي بعد أن درس علم الآثار المتحجرة، وأخذ ينظر في التاريخ الإنساني من ناحيته، أن ينفك عن هذه النظرة، أو يشك في هذه النتائج في مجموعها. كما أني لا أشك مطلقا في أن بلوغ هذه النتائج يقتضي قسوة قد تحزننا حينا، وقد نرغب فيها حينا آخر، قسوة تقع على الذين خصوا بشيء من الضعف الخلقي وعدم القدرة على ضبط النفس وكبح جماح شهواتها، تلك الصفات التي تعود إلى الظهور في الأفراد من طريق الرجوع إلى صفات أصولهم الإنسانية الأولى، وكل آت آت. وقد نستطيع أن نقرأ المستقبل إذا أردنا، ولكنا لا محالة نعجز عن أن نصرفه عن متجهه أو نحوله عن مجراه.
ماهية التاريخ
(1) التاريخ من الوجهة الفنية
يخيل إلى بعض المشتغلين بالعلوم الحديثة أن من المستطاع أن يلقن التاريخ على أنه «علم
Science » من العلوم الطبيعية المبنية على الاستقراء، فلا يكفي النقل فيه، بل لا بد من تطبيقه على نواميس الاجتماع المؤيدة بالاستقراء، وكل من أمعن النظر في هذا الرأي استخلص منه قضيتين: الأولى أن التاريخ علم استقرائي، والثانية أن للاجتماع نواميس مؤيدة بالاستقراء يمكن أن تتخذ أساسا لكتابة التاريخ على أنه علم يقيني تام، لهذا نريد أن نبحث هاتين القضيتين لننتهي من بحثهما بحكم صحيح، يرينا أيمكن أن يصبح التاريخ علما بالمعنى المعروف في تقسيم المعارف الإنسانية، أم أنه لا يزال فنا نظريا كما ظل طوال العصور الماضية.
العلم
Science
Page inconnue