Muawiya Ibn Abi Sufyan
معاوية بن أبي سفيان
Genres
فلقيهم معاوية وزجرهم وأغلظ لهم، ثم أتاهم بعد ذلك؛ فقال لهم: «إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا ينفع الله بكم أحدا ولا يضره، ولا أنتم برجال منفعة ولا مضرة، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم ولا يبطرنكم الإنعام، فإن البطر لا يعتري الخيار، اذهبوا إلى حيث شئتم فسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم.»
وكتب إلى أمير المؤمنين يهون له من شأنهم ويقول عنهم: إنهم «ليسوا لأكثر من شغب ونكير.»
ولم يكن أمرهم ليعييه، فإنهم ذهبوا حين سرحهم يقصدون الجزيرة، فعلم بهم عبد الرحمن بن خالد فما أعياه أمرهم، ودعاهم إليه ولم يذهب إليهم كما فعل معاوية؛ فتوعدهم عبد الرحمن وعيدا لا يشكون فيه، وقال لهم: «يا آلة الشيطان! لا مرحبا بكم ولا أهلا، قد رجع الشيطان محسورا وأنتم - بعد - نشاط. خسر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم ... يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم، لا تقولوا لي ما بلغني أنكم قلتم لمعاوية، أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن من قد عجمته
2
العاجمات، أنا ابن فاقئ الردة، والله لئن بلغني يا صعصعة أن أحدا ممن معي دق أنفك ثم أمصكه - أي: جعلك تمصه - لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى، فأقامهم شهرا كلما ركب مشاهم، فإذا مر به صعصعة قال: يا ابن الخطيئة! ... أعلمت أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر، ما لك لا تقول كما بلغني أنك قلت لسعيد ومعاوية؟ ... فيقولون: نتوب إلى الله، أقلنا أقالك الله، فما زالوا به حتى قال: تاب الله عليكم، وسرح الأشتر إلى عثمان، فقدم إليه ثانيا، فقال له عثمان: احلل حيث شئت، فقال: مع عبد الرحمن بن خالد، فقال: ذلك إليك، فرجع إليه.»
وعلى اختلاف الروايات في تنقل هذه الفئة بين الكوفة والشام، وفيما قالوه وقيل لهم، لم يتغير موقف معاوية في جميع هذه الروايات، وهو موقف الرجل الذي لا يبالي بعد أمانه على ولايته أن تنجم الفتنة حيث نجمت، وأن يبتلى بها الخليفة بنجوة منه.
وقد تفاقم الخطب ونظر الخليفة المحصور حوله يطلب الرأي من ذوي الرأي بين خاصته وخاصة المسلمين، واجتمع عنده رهط منهم يوما أشاروا عليه بما بدا لهم، ثم خرجوا فأمسك عثمان بابن عباس، فقال له: يا بن عمي ويا بن خالتي، إنه لم يبلغني عنك في أمري شيء أحبه ولا أكرهه، وقد علمت أنك رأيت بعض ما رأى الناس، فمنعك عقلك وحلمك من أن تظهر ما أظهروا، وقد أحببت أن تعلمني رأيك فيما بيني وبينك، فأعتذر ... قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إنك قد ابتليتني بعد العافية، وأدخلتني في الضيق بعد السعة، ووالله إن رأيي لك رأي من يجل سنك ويعرف قدرك وسابقتك، ووالله لوددت أنك لم تفعل ما فعلت مما ترك الخليفتان قبلك، فإن كان شيئا تركاه؛ لأنه ليس لهما، علمت أنه ليس لك كما لم يكن لهما، وإن كان ذلك لهما فتركاه خيفة أن ينال منهما مثل الذي نيل منك، تركته لما تركاه له، ولم يكونا أحق بإكرام أنفسهما منك بإكرام نفسك.
قال عثمان: فما منعك أن تشير علي بهذا قبل أن أفعل ما فعلت؟ ... قال ابن عباس: وما علمي أنك تفعل ذلك قبل أن تفعله؟ ... قال: فهب لي صمتا حتى ترى رأيي.
وخرج ابن عباس وبقي معاوية فسأله عثمان، فأجاب كما جاء في الإمامة والسياسة: «الرأي أن تأذن لي بضرب أعناق هؤلاء القوم، قال: من؟ قال: علي وطلحة والزبير ... قال عثمان : سبحان الله! ... أقتل أصحاب رسول الله بلا حدث أحدثوه ولا ذنب ركبوه؟! قال معاوية: فإن لم تقتلهم فإنهم سيقتلونك ... قال عثمان: لا أكون أول من خلف رسول الله في أمته بإهراق الدماء.
قال معاوية: فاختر مني إحدى ثلاث خصال!
Page inconnue