Le Fondateur de l'Égypte Moderne
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
3
على أن هذه الترتيبات لم ترتج لها شركة الهند الشرقية ولا السلطان الذي كان قد استرد بعض سلطته القلقة على مصر، فأما الباب العالي فقد خشي على موارد الحجاز من أن تتأثر فيما لو تحولت التجارة الهندية من جدة إلى السويس، وأما الشركة فقد كان تخوفها من أن يؤدي نشاط الحركة التجارية عن طريق مصر إلى الإضرار بما لديها من امتياز تصدير البضائع المهربة من الهند إلى أوروبا عن طريق البحر المتوسط.
وكانت نتيجة ذلك كله أن الشركة أصدرت في سنة 1777م أمرها بمنع إرسال السفن المشحونة بالبضائع إلى إحدى الموانئ الواقعة في شمالي جدة، ولكنها حصلت في الوقت نفسه من الباب العالي على وعد شفوي بأن يسمح لبريدها وطردها باجتياز الأراضي المصرية مجانا.
ولم تكن لهذا التدبير نتيجة أصلا؛ إذ لم يكن لا بوسع الشركة ولا الباب العالي تنفيذ هذه الأوامر حرفيا، فإن حق إرسال الطرود أسيء استعماله، وكان وسيلة لنقل البضائع المغشوشة؛ مما ترتب عليه إلقاء القبض في سنة 1779م، ثم في سنة 1780م على حاملي الطرود الإنجليزية وأودعوا السجن.
4
وأظهر الفرنسيون في الوقت نفسه أشد الاهتمام بما يمكن أن يؤدي إليه طريق مصر من الاحتمالات، فلقد كانت الطريق المذكورة تبشر في نظرهم بفوائد طائلة؛ لأنها من الوسائل المؤدية إلى تقليل شأن السيادة البحرية البريطانية تلك السيادة التي كان لها أسوأ تأثير في سير حرب السنوات السبع.
فلو تحول الشطر الأكبر من التجارة الهندية إلى طريق البحر المتوسط، فلن يقتصر الأمر على إفادة التجار الفرنسيين فوائد جسيمة، بل إن واجبات الأسطول الفرنسي تقل كثيرا عما عليه. ومما شجع على التعلل بهذه الأماني ما كان يلوح على الإمبراطورية العثمانية من علامات الاضمحلال والفناء، فإن شاءت الأقدار أن تتلاشى تلك الإمبراطورية؛ فإن جيرانها كروسيا والنمسا لا محالة تجنيان فوائد جسيمة في الحال. ولكن هذه الفوائد - كما لاحظ الفرنسيون في سنة 1873م - قد تصبح لا قيمة لها باحتلال الفرنسيين لمصر، على أنه كان يوجد رأي آخر له قيمته من حيث إنه يمكن تطبيقه عمليا فورا ألا وهو عقد محالفة مع البيكوات، وهو ما حدث فعلا.
ففي أوائل سنة 1785م توصل أحد المندوبين الفرنسيين إلى توقيع عدة اتفاقات مع البيكوات ومع العميل الأساسي، ومع أحد زعماء البدو على نقل البضائع الفرنسية في أمان في مقابل شروط مرضية، فكان مثل هذه الاتفاقات كمثل المعاهدة المؤقتة التي وصفها «وارن هاستنجز» بمعنى أنها أقامت الدليل ناصعا على قلق الموقف المصري، فلم يكتف الباب العالي برفض إبرام المعاهدة الفرنسية، بل عمل على تدعيم سلطته المزعومة على مصر.
وكانت النتيجة المباشرة أن الخطر الذي كان يهدد مركز الإنجليز في الهند تلاشى مؤقتا، ولكن كان لا يزال هناك احتمال بأن الفرنسيين قد يخطر لهم يوما من الأيام أن يوطدوا أقدامهم في مصر إما بالقوة أو بطريق المفاوضات، ومن ثم أخذنا نحتذي حذو الفرنسيين؛ فإن جورج بلدوين الذي لعب دورا مهما في مشروعاتنا الأولى عين قنصلا عاما، وصدرت التعليمات بأن يعقد مع البيكوات معاهدة كالتي عقدت بينهم وبين الفرنسيين، ولكن عودة النفوذ التركي بعد اضمحلاله جعل عقد هذه المعاهدة أشق مما كان ينتظر، وانقضى عام وتلاه عام آخر، ولاحظت وزارة الخارجية أن بلدوين كان يتقاضى سنويا مرتبا قدره 1400 جنيه دون أن يصنع شيئا.
ومن ثم قرر غرنفيل سنة 1793م إلغاء هذا المنصب أو أن تقوم الشركة الهندية بدفع مرتبه إذا كانت ترى ضرورة وجود بلدوين في مصر، وما كاد غرنفيل يقرر هذا حتى جاءت الأنباء سراعا بأن بلدوين قد نجح بعد طول الجهد في توقيع المعاهدة المطلوبة.
Page inconnue