Le Fondateur de l'Égypte Moderne
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
وفي الواقع أن إبراهيم ارتكب شططا كبيرا بعمله هذا؛ فإنه لم يقتصر على إثارة روسيا وحدها، بل أثار الدول الغربية على بكرة أبيها، فبعد أن كانت طيلة المراحل الأولية في الحرب السورية واقفة موقف المتفرج ترقب مجرى الحوادث دون أن تحاول التأثير فيها رأت نفسها الآن مضطرة إلى التدخل بعد أن لم يعد منه مناص، وقد رأت الدول المذكورة أن لا مفر من موضع نهاية لهذه الحرب السورية لتبديد مخاوف الآستانة أولا، وللتخلص من الروس بأسرع ما يمكن ثانيا، ولوقاية الأتراك إذا سمح القدر من مغبة العواقب الناشئة عن سوء تصرفاتهم ثالثا. وذلك خوفا من أن يؤدي تمزيق إمبراطوريتهم إلى إشعال النار في أوروبا.
وعبثا حاول محمد علي أن يصلح زلة ابنه بإحياء مشروعه القديم؛ وهو تجنيد الإمبراطورية وبعثها من موتها عن طريق الثورة، ولم يخطر له أن ينادي باستقلاله، لا بل أكد لكامبل أن إنجلترا وفرنسا بتقديمهما المساعدة له إنما يؤيدان السلطان في الواقع بأحسن وسيلة فعالة مستطاعة.
40
وقد جاء في المذكرة التي دفع بها إلى كامبل «أن التأمل الهائل والنظر الثاقب يدلان على أن الحكم التركي قد نخره السوس من كل جانب، وأن قواعده قد أصبحت عرضة للانهيار، وأن موارده المادية والأدبية قد نفذت، وأن الأمة قد أشاحت بوجهها عنه وأصبحت تزدريه.»
41
لا بل إن سمعته انحطت في نظر أهالي الآستانة أنفسهم، وأصبحوا يشكون فيه ويرتابون؛ لأنه لم يعد يستطيع حماية نفسه ولا حماية الأمة، وبالجملة فإنه قد ترك نفسه ألعوبة في يد الأقدار وأصبح فريسة جاهزة في براثن روسيا،
42
ولكن مزاعم الباشا - وإن كانت في الواقع لم تعد الحقيقة كما كانت تعرفها أوروبا المعاصرة - إلا أن الساسة في الغرب لم يكونوا ميالين إلى التسليم بأن محمد علي هو الشخص الوحيد الذي يستطيع بعث الإمبراطورية العثمانية من موتها - بل إن الأمم الأوروبية قد تبادر بتقديم المعونة اللازمة للسلطان؛ لأن الاحتفاظ به دون أن يلحق به كبير ضرر قد خيل إليها أنه أعود بالفائدة وأكفل بتحقيق المراد من حيث إقصاء الروس وإبعادهم عن ذلك الموقف الغريب الذي لا نظير له في الماضي، وهو تظاهرهم بشد أزر الأتراك؛ هذا أكفل لتحقيق المرغوب من كافة ما لدى إبراهيم من القوات والعتاد.
ونظرية أخرى حاول الباشا التشبث بها، وهي بمبدأ تقرير المصير «كما ينبغي أن نسميه اليوم»، وهذا لعمرك من الأمثلة اللطيفة على السهولة الكاذبة التي يستطاع بواسطتها تسخير المبادئ السياسية المعروفة في الغرب في شهر أعمال تختلف كل الاختلاف من حيث الجوهر؛ فلقد زعم محمد علي أنه إنما فعل ما فعل باسم أئمة «الإسلام» ولتبرير هذه الدعوى لفت نظر ابنه إبراهيم إلى ضرورة الحصول على فتاوى من علماء سوريا بأن السلطان محمود عزل أو ينبغي عزله؛ لأنه غير أهل للحكم.
وقد أجاب إبراهيم على ذلك بأن بين له أن من خطل الرأي أن يتوقع موافقة علماء دمشق على رفض سيادة السلطان قبل أن تصبح هذه السيادة لشخص آخر يحل محله ويدعم حقه فيها بالقوة. ومن ثم نشأت صعوبة أخرى عن وجود قناصل للدول الأجنبية في كافة أنحاء سوريا، وألا سبيل للحصول على الفتاوى المذكورة دون أن تردد الألسنة ذكر الوسائل التي لا يمكن الحصول على الفتاوى المذكورة بدونها، على أن ما لم يمكن الحصول عليه في سوريا بدون فضيحة وما بذل في سبيله من استعمال الرشوة والضغط يمكن طبعا أن يقال عن الجهات النائية التي لم يكن للدول قناصل فيها، وقد ظهر تصريح منسوب إلى جماعة من الأكراد الضاربين على شواطئ البحر الأسود، وقد نقضوا ولاءهم للسلطان ونادوا بدخولهم تحت حكم باشا مصر، وكان من المدهش حقا كما لاحظ ذلك قنصل فرنسا الجنرال أن يصدر مثل ذلك التصريح من ولاية لا يستطيع محمد علي أن يحميها ضد أعوان السلطان في الوقت الحاضر على كل حال، وأن يتمكن واضعو التصريح من السفر عن طريق أنقرة دون أن يلحقهم أذى أو ضرر.
Page inconnue