Le Fondateur de l'Égypte Moderne

Henri Dodwell d. 1360 AH
48

Le Fondateur de l'Égypte Moderne

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Genres

2

وكان طبيعيا أن تنتشر الحركة ويتسع نطاقها إلى أن تشمل جزر البحر، وكانت السفن الصغيرة التي تنقل معظم تجار البلاد المتاخمة إلى شاطئ البحر المتوسط في الشرق ملكا لليونانيين من سكان الجزر، ثم إن الأيدي العاملة في هاته الجزر كانت كلها يونانية، كما أن الملاحين كانوا أيضا يونانيين، وهكذا أمكن تكوين أسطول حربي أصبح بعد قليل صالحا لضرب النار، وقد أزعجت هذه الأعمال الملاحين الأتراك وأدخلت في قلوبهم الرعب، ولا ريب أن السيادة في البحر معناها انتصار الثوار في البر، فتشكلت حكومة وطنية وعقدت جمعية شعبية. ولئن كان في وسع السلطان أن يثأر للدم بالدم في أزمير والآستانة؛ فإن ذلك ما كان ليمكنه من استعادة أملاكه المفقودة، وفي الحق لقد كان عجزه أمام الأروام الكبار أشبه بعجزه إزاء الوهابيين.

ويلوح أن محمد علي كان ينظر إلى هذه الحوادث بشيء من عدم الاكتراث؛ فقد تخلص في الوقت المناسب من جنوده الألبانيين الذين لم تكن له بهم حاجة بأن شجعهم على ترك خدمته والاستعاضة عنها بالخدمة في يانينا، ولقد نما إليه نشاط الجمعيات اليونانية الثورية التي أسست في الإسكندرية والقاهرة، ولكنه لم يحرك أصبعا لوقف حركاتها، بل إنه لم يحاول بعد أن يمنع سفر متطوعي الأروام من الإسكندرية. وأكثر من هذا أنه أطلق سراح بعض اليونانيين الأرقاء الذين أرسلهم إليه باي الجزائر بمثابة هدية.

3

وفي سنة 1822م وهبه السلطان كريت بعد أن تمكن من إطفاء نار الثورة فيها، أما الجزيرة فقد كانت ميدانا للمذابح من الفريقين، ومن ثم تقرر إرسال حسن باشا زوج إحدى كريمات محمد علي إلى الجزيرة، ثم بعد وفاته تقرر إرسال حسين بك، وكان ثوار كريت كثيري العدد وعلى جانب عظيم من الشجاعة والإقدام، ولكنهم خضعوا في النهاية بعد ما تلقوه من دروس القمع العديدة وقد استغرقت هذه العملية نحو عامين، فلم يحل عام 1824م حتى كان لمحمد علي مركز يسمح له أن يعلن أن «سناكيا» الحصن الأخير الذي اعتصم به الثوار قد أصبح خلوا منهم وأن زعماءهم قد أعدموا. ولإقامة الدليل على صدق قوله أرسل إلى الباب العالي «غرارة» بآذان القتلى لتعليقها على البوابة الكبرى للقصر.

4

ولم يكتف حسين بك بهذا الدليل على نجاح أعماله العسكرية، بل أراد إقامة دليل آخر، وذلك بتوسيع دائرة تلك الأعمال. وكان يوجد بالقرب من شمال جزيرة كريت للشرق جزيرتان صغيرتان، تسمى الأولى «كاسوس» والثانية «سكاريانتو»، وكانت أولاهما مقر عدد كبير من البحارة الذين سبق أن عضدوا قضية استقلال اليونان أعظم تعضيد، وذلك باصطياد التجارة التركية ووضع يدهم عليها، فجهز حسين بك حملة عسكرية ضد هاتين الجزيرتين، أما سكان كاسوس فقد رفضوا دعوته إلى التسليم، وإذ ذاك أغارت الجنود على معاقلهم واستولت عليها عنوة، ثم أطلق القائد أيدي جنوده في أعمال السلب والنهب مدة 24 ساعة، فتمكنوا في هذه الفترة من قتل 100 نفس وأخذوا أسرى ما لا يقل عن 900 من النساء والأطفال. هذا عدا ما غنموه من السلع التي ادخرها أهل الجزيرة؛ كالبن والحرير ... إلخ.

ولمضاعفة العقاب اختار حسين بك من رجالهم نحو 500 شخص للخدمة في السفن بنفس الأجور التي كان يتقاضاها الملاحون المصريون وقتئذ.

أما سكان الجزيرة الثانية «سكاربانتو» فقد ألقوا سلاحهم بمجرد وصول الإنذار إليهم، فاكتفى حسين بك بتكليفهم بدفع جزية الأعوام الثلاثة التي كانت عليهم للحكومة العثمانية. وهذا الحادث يمكن أن يتخذ دليلا عادلا على سياسة محمد علي، وهي تقضي بإبادة العصاة شديدي المراس بلا رحمة ولا شفقة واستعمال الرفق والهوادة مع غيرهم ليظل شعور الأمل، وكذا شعور الرهبة حيا في النفوس.

وكان طبيعيا أن يؤدي نجاح الثورة الكريتية إلى زيادة مطالب الباب العالي من الباشا، ففي أوائل سنة 1824م أصدر السلطان محمود الثاني فرمانا تعطف فيه بإسناد ولاية المورة إلى محمد علي. وليس من المعقول أن يكون قبول هذا التعطف السامي منشؤه الخوف من إغضاب السلطان. كلا؛ فقد كان هناك الجيش الجديد الذي أبلى بلاء حسنا في كريت، وأراد محمد علي أن يجربه في أعمال أخرى أوسع نطاقا، وكانت بريطانيا العظمى ما تزال ملتزمة الحياد، وليس في وسع أي إنسان مشهور في القاهرة بمعرفته ببواطن الأمور - ولو عن بعد - التكهن بمعرفة العوامل التي كانت ستدفعها بعد زمن قريب إلى تغيير سياستها والاشتراك في الموضوع اشتراكا فعليا. وإلى جانب هذا كانت توجد الفكرة القائلة بأن التغلب على الكفرة بعد التغلب على جماعة الهرطقة سوف يرفع اسم الفاتح في نظر العالم الإسلامي، بحيث يجعل الناس يتناسون ما أحدثته من الأثر السيئ محاولة تقليد المسيحيين في استعمال الشوكة والسكين عند تناول الطعام في المنازل أو اكتراع الشراب المسيحي أو حماية أرواح المسيحيين وأموالهم في داخل بلاده بيد حازمة قوية. وبالجملة، فإن كبح الأروام سوف يجعله زعيم العصر ويفسح أمامه الطريق - إذا أراد - لأن يتحدى أوامر السلطان ويؤهله - هكذا خيل إليه - لاحترام وصداقة إحدى الدول العظمى. وانقضت ستة أشهر في تجهيز الحملة، وفي أول يوليو غادرت ميناء الإسكندرية، وكان عددها لا يقل عن 16 ألف جندي ومائة نقالة و63 سفينة مسلحة،

Page inconnue