Le Fondateur de l'Égypte Moderne
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
وأمثال هذا الكاتب لا يعترفون طبعا بأن كثيرا من إصلاحات الباشا كانت إصلاحات عرضية لا جوهرية، وبالعكس كنت ترى غيرهم من أمثال هولرويد مراسل بالمرستون لا ينظرون إلى المسائل إلا بالعين البريطانية البحتة التي ترثي لحالة الفلاحين؛ لأنهم لا يعيشون في مساكن مبنية بالطوب الأحمر ولا يأكلون اللحم البقري،
1
ولكن لا بد للحكم بنزاهة على إصلاحات الباشا وما يلحق بها من الآراء الإدارية أن يلقي الإنسان باله دائما إلى عدة نقط بحيث لا يتناساها مطلقا، فأولا كان الباشا يعمل في بلد شرقي، ومعنى هذا أن وظيفة الحكومة ومهمتها كانت صورة مشوهة عن مهمتها في بلاد الغرب. وقد كان من المتعذر حقا على قوم ألفوا مبدأ «معلهش» أن يقدروا قيمة نظام يضطلع بإرشاد كل فرد من أفراد الرعية في كل ناحية من نواحي الحياة، وبديهي أن تشبيه حالة مصر بحالة حكومة الهند لم يكن له محل مطلقا؛ لأنه فيما عدا القليلين في إنجلترا من رجال «أنديا هاوس» أو «النادي الشرقي » لم يكن يعرف أحد ما يصنعه مواطنوه في الهند؛ لهذا لم يكن مدهشا أن الناس لم يفهموا محمد علي حق الفهم وأساءوا تأويل أعماله ونواياه، وفي الواقع لم يكن يسمع أحد بين حين وآخر عبارات الانتقاد المعقولة المنطوي على العطف إلا من أمثال صولت أو كامبل ممن كان لهم إلمام بحالة البلاد، أو من الموظفين الأنجلو أنديان الذين قامت أمامهم في الهند مشاكل كالتي قامت في وجه محمد علي وحوله رعية شرقية تنظر شزرا إلى أعماله.
ثم لا ننسى من الناحية الأخرى أن الباشا ورث تركة مثقلة وحكومة عاطلة من كل شيء، ويتعذر على الإنسان حقا أن يبالغ في وصف ما كانت عليه الولايات التركية في بداية القرن التاسع عشر من حالة البؤس والشقاء.
ولقد حدثنا بوركنهاردت - وكان في حديثه صادقا - أن واليا نزيها لا يمكن أن يعلل نفسه بالبقاء طويلا في منصبه؛ لأن الباب العالي لا ينفك عن المطالبة بتقديم الهبات ولا شيء غير الهبات والإعانات، وإذ ذاك يرى الباشا ترضية لجشع الباب العالي نفسه مسوقا إلى مضايقة رعاياه وإرهاقهم، وليس الوالي الذي يسهر على مصالح رعاياه ولا تحدثه نفسه بتقديم شيء عدا الجزية المعتادة، أو الذي يدع العدالة تجري مجراها من أن يبوء بسخط مولاه السلطان ليس لعدله، ولكن لأن عدله يحول بينه وبين انتهاب الشعب وتقديم بعض الأسلاب هدية إلى ديوان الآستانة، وإذا باء بسخط مولاه ولا يرى له مخرجا لإنقاذ حياته إلا أحد طريقين؛ إما تسليم رعاياه البائسين في هدوء وسكينة إلى سياط وإلى مستبد يحل محله، وإما أن يعلن مولاه بالثورة ويظل ينازع مزاحمة السلطان إلى أن يقتنع الباب العالي باستحالة عزله فيظل صابرا على جمر الغضا إلى أن تسنح له الفرصة للتخلص من ذلك الوالي العادل،
2
ومع أن هذه الأقوال قيلت في سنة 1810م، فكأنما تكهن قائلها بأنها ستنطبق تماما على حالة محمد علي، وكان عدم إدراك هذه الحقيقة سببا في حمل بالمرستون على إساءة الظن بأعمال محمد علي والارتياب في غاياتها.
وإذا ما استثنينا العراق، فإن مصر كانت أسوأ حالا من كافة الولايات العثمانية؛ فإن المماليك كانت سياستهم قائمة على إرهاق البلاد واستلابها ولم يفكروا مطلقا في حماية الفلاح لا من أسلحة البدو الذين كانوا يهاجمونه ويقضون مضجعه، ولا من عسف محصلي الضرائب وسياطهم، بل لقد سولت لهم أنفسهم أن يتركوا أراضيه بلقعا بعد أن أصبحت الترع مسدودة بسبب ما تجمع فيها من الوحل والطمي، حتى إن الدلتا وهي أخصب أراضي العالم قد قل خصبها بنحو الثلث تقريبا. ثم إن غارات البدو في إقليم الفيوم كانت نتيجتها فرار السكان وترك الأراضي خرابا، ولم يكن أحد يعرف مبلغ ما ينتزع من الفلاح ولا مقدار ما اختلس من الإيراد العام في أثناء طريقه إلى خزينة الدولة. أما أعيان الفلاحين - وكانوا يسمون روزنامجية - فقد كانوا معروفين بصلفهم وثرواتهم الطائلة،
3
أما العدالة فقد كانت مسألة رشوة لا أكثر ولا أقل، وأما الغنى واكتناز الثروة فقد كان عماده المحسوبية. أما الحياة نفسها فكانت عبارة عن مجرد حظ أعمى.
Page inconnue