102

Le Fondateur de l'Égypte Moderne

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Genres

أما في المرة الثانية فقد حذره من عواقب الحرب الخطيرة؛ فقد استطرد في هذه الرسالة الثانية يقول لكامبل: «ولا يفوتك أن تبين للباشا أنه ينبغي عليه أن يفهم أن مواهبه وجهوده - على عظمتها في أعين العالم جميعا - سوف تجد مجالا واسعا للبروز في إيجاد نظام محمود للإدارة في الأقطار الخاضعة لحكمه.»

16

ولكن بالمرستون برغم هذه الألفاظ المعسولة، وبرغم هذا السخط الأدبي لم يكن ينظر - ولعله لم يكن يستطيع في مكانه ذلك أن ينظر - إلى الموقف نظرة عادلة مجردة عن الهوى؛ فإنه كان يطالب الباشا بالتنازل عما لا يمكن التنازل عنه إلا خضوعا للقوة، وقد اقترح كامبل اتخاذ خطة أدنى إلى العدل عندما كتب إلى رئيسه في نهاية سنة 1837م، يقول: «ليس يسعني إلا أن أشعر أن محمد علي استطاع أن يكون آمنا على نفسه ضد أي اعتداء من جانب السلطان، ثم إنه إذا اضطر وقتئذ إلى تخفيض جيشه وأسطوله إلى حد معين، ولو حظر عليه الالتجاء إلى الخدمة الإجبارية في أي قطر من الأقطار التابعة له؛ فليس من شك في أن هذا التعبير الصالح سوف يظهر أثره الحسن عاجلا في كافة أنحاء البلاد.»

17

وهذا لعمرك هو الحق الذي لا ريب فيه، فإن الباشا لم يكن يمكن أن يزيل مخاوفه ويبدد شكوكه ويغنيه عن الحاجة إلى التسليح إلا ضمان من هذا القبيل، اللهم إلا إذا كان المقصود أن يستعد الباشا لتسليم السلطان أي قطر من الأقطار التابعة له يقع عليه اختيار عاهل الآستانة. ولقد كان من بواعث الأسف أن موقف روسيا جعل تقديم مثل هذا الضمان ضربا من المستحيلات؛ ولذا لم يسع بالمرستون إلا أن يردد النظرية الرسمية؛ وهي أن محمد علي لم يخرج عن كونه مجرد خادم السلطان ووزيره، وأن لهذا الحق كل الحق في أن تتطلع نفسه لاستعادة أملاكه في أي وقت شاء، وأن ما يقوم به الباشا من الاستعدادات الحربية هو في الواقع عمل غير قانوني ومناف لقواعد الولاء وينطوي على الخيانة.

وغير خاف أن هذه الصفات نفسها كانت هي نفس النظرية التي ترددها الإمبراطورية العثمانية، ولكن كانت هناك نقطة تنتهي عندها هذه الخرافات القديمة وتصبح لا مفعول لها.

فلقد حدث في الهند أن حكومة شركة الهند الشرقية قررت أنها في حل مما عليها حيال إمبراطورية المغول من الواجبات بمجرد ما تخلى عن حمايتها، وانضم إلى قبائل الماهراتا وهم أعداء الشركة المحتملون. ولقد أجمع العقلاء على تسويغ عمل الشركة، وإنما سقنا هذا المثال لنبين أن محمد علي لم يكن يختلف موقفه عن موقف شركة الهند الشرقية الشريفة، ولعل الخلاف - إن وجد - يرجع إلى ملابسات السياسة أكثر مما يرجع إلى المبادئ السياسية؛ لأن خروج «دارين هيستنجز» على سلطة عاهل المغول «شاه علام» لم يكن من شأنه أن يعرض سلام أوروبا للخطر كما كان يعرضها خروج محمد علي على السلطان محمود عاهل الآستانة، وكانت النتيجة أن الباشا العظيم مع أنه كان أهلا للعطف بسبب ما كان يبذله من المساعي والجهود لتوطيد دعائم ما بذله من الإصلاحات التي أدخلها وأن ينقذها من عبث الإدارة التركية؛ فقد بقيت بعض أسباب قوية تسوغ سياسة بالمرستون برغم الكثير من النظريات غير المقنعة التي استند إليها في قضيته ضد محمد علي، أو بعبارة أخرى أن بالمرستون كان يحسب حساب الصوالح العالمية الكبرى ويرى مراعاتها أهم بمراحل من تعزيز نفوذ محمد علي أو الاحتفاظ بإصلاحاته، ولا يمكن أن تعدل مزايا هذه الإصلاحات الأخطار التي تنشأ حتما من نشوب حرب أوروبية. ولقد صرح بالمرستون في سنة 1833م - وكان على حق فيما قاله في ذلك الحين - أن العناية الكبرى التي جعلتها الحكومة البريطانية نصب عينيها هي المحافظة على السلام ... إننا لا نميل إلى إحداث تغييرات كبيرة في توزيع السلطة السياسية توزيعا نسبيا؛ لأن حدوث هذه التغييرات لا يكون إلا بالحرب، أو إذا اقتضت حدوثه جدلا فلا بد حتما أن يؤدي عند إتمام التغيير إلى نشوب الحرب.

18

ونحسب أن من حق محمد علي علينا أن نرجئ الخوض في طبيعة إدارته وكفايتها إلى فصل آخر، ولكن لا يفوتنا أن نذكر هنا أنه مهما كانت قيمة تلك الإدارة فقد كان عنصرا رئيسيا في سياسة بالمرستون أنه كان ينظر إلى إدارة محمد علي بعين الشك والارتياب؛ فقد كان من رأي ذلك السياسي الحر (التابع لحزب الأحرار) أن الغايات الصالحة الإنسانية المتنورة التي قال الناس إن محمد علي وضعها نصب أعينه تتنافى بتاتا مع قبضه على الناس بالقوة للخدمة في جيوشه، ولم يكن في استطاعة لورد بالمرستون بصفته من كبار الأعيان أن يوفق بين الحكومة العادلة وبين تجريدها للناس من أملاكهم، هذا إلى أن رجال الاقتصاد في الغرب أجمعوا على استهجان الاحتكارات التجارية التي أوجدها الباشا في مصر وفي غيرها من البلاد التابعة له.

فهذه الأسباب العامة وغيرها هي التي جعلته لا يميل إلى النظر بعين العطف إلى مطالب محمد علي وآرائه؛ فكان كلما أشار كامبل إلى حماية الباشا لممتلكات الأشخاص يرد عليه بالمرستون بقوله: «ما عدا ممتلكات الشعب الذي يحكمه محمد علي.» وكلما أشار القنصل العام إلى حب الباشا للخير يجيبه وزير الخارجية: «وليس حب الخير هذا هو ميله للحرب وفتح البلاد واستلاب الناس وسن نظام الخدمة الإجبارية وإيجاد الاحتكارات التجارية.»

Page inconnue