Égypte: La texture des gens, des lieux et du temps
مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
Genres
واليوم فإننا نمر أيضا بتغيرات جسام في اقتصاديات مصر الزراعية والصناعية والخدمية والتعدينية والمالية تعيد تشكيل المجتمع على أسس جديدة من الإيديولوجيات والسلوكيات بالتناسب مع متغيرات العالم حولنا. وأكبر تغيير هو أن عدد الممارسين للزراعة يكاد أن يجمد عند حد معين يتناسب مع متطلبات الأرض، بينما يتوجه بقية سكان القرية إلى العمل في المدينة القريبة والبعيدة مع بقائهم في بيوتهم في القرية. هؤلاء سكان ريف لكنهم اقتصاديا حضريون يتعايشون مع كل أشكال حياة المدينة، ويجلبون معهم إلى القرية بعض أشكال الحضرية. وعلى أية حال فإن هذا الشكل من التغيير وغيره قد أدى إلى أن تزيد معه أعباء الخدمات التعليمية والصحية والضمانات الاجتماعية والأعمال البنكية والاستثمارات في جميع المحافظات بمدنها وقراها ... إلخ. مما يؤدي إلى تشابك تراكيب جديدة ومنطلقات حديثة.
والخلاصة متغيرات كثيرة تفور بها مصر بغض النظر عن بعض التهاون والتسيب وجرائم المال والبيروقراطية التي غالبا ما تظهر على السطح خلال أوقات التغيير والفوران الاجتماعي الاقتصادي، وتنتهي باستقرار الأوضاع على التشكيل المناسب. وبالمثل هناك متغيرات أقوى نتيجة متغيرات العلاقات الاقتصادية والثقافية مع العالم الخارجي تظهر في مصر في عالم الصناعة والشركات المندمجة وعالم الخدمات والصحة والتعليم، كإدخال الكمبيوتر في المدارس والأقوال الكثيرة عن الحكومة الإلكترونية، وكلها مما يساوي إرهاصات تغيير حاد جاد.
وفي مقابل هذه المتغيرات تقف الإدارة المصرية جامدة أمام ضرورة تشكيل إداري جديد مناسب للحياة الجديدة. ما زلنا متمسكين بالمحافظات الحالية، بل ربما تزيد بإنشاء محافظات أخرى، كمطلب البعض إنشاء محافظة بين القاهرة والشرقية تتمحور حول مدينة العاشر من رمضان - أو كما قد يعن قريبا من فكر لإنشاء محافظة جنوب الوادي الجديد تضم توشكى وشرق العوينات وهضبة الجلف الكبير!
هذا التفتيت إلى كيانات إدارية صغيرة ليس له في الوقت الحاضر ما يبرره. الكيانات الأكبر مساحة وسكانا هي بالقطع أكثر تلاؤما مع متطلبات التنمية، وأكثر اقتصادا وتوفيرا في عدد الوظائف والتراكيب الإدارية البيروقراطية. في العقود الأخيرة من القرن الماضي قسمت مصر إلى سبعة أقاليم تخطيطية، كل إقليم يضم عدة محافظات، والغرض منه تنسيق العمل والاقتصاد في رقعة أوسع من المحافظات. لكن هذه الأقاليم لم تجد لها تفعيلا حتى الآن؛ لعدم تحديد أين تبدأ وتنتهي حدود إدارة الإقليم وحدود إدارة المحافظة بالإضافة إلى نوع ما من التنافس البيروقراطي بين الكوادر والهيئات.
وقد كان هذا متوقعا؛ لأننا بهذه الأقاليم التخطيطية خلقنا ثنائية إدارية (أمر غير عملي) لتحسين الأداء المجتمعي مع إبقاء الشكل الإداري الراسخ للمحافظات منذ عقود وتتمثل فيه مصالح كثيرة أغلبها بيروقراطية المكاتب. فكأننا أردنا - ربما دون قصد - إيجاد منافسة إدارية بين تنظيمين أحدهما: (الأقاليم) أعلى من الآخر (المحافظة)، أو نتساءل: هل كان المقصود من الأقاليم التخطيطية أن تنجح؟ وربما كان التساؤل أين يذهب التركيب الإداري القائم في 26 محافظة إذا انتهى الأمر بتقليص الوحدات إلى سبعة أو ثمانية أقاليم. (15-3) الأقاليم الإدارية الكبرى
الأقاليم التخطيطية كانت: القاهرة، الإسكندرية، القنال، الدلتا، شمال الصعيد، أسيوط، جنوب الصعيد، ولكن هناك أوجه سالبة في هذا التقسيم منها ضخامة الدلتا سكانا واقتصادا وعمرانا، وعدم ظهور المناطق الصحراوية في هذه الأقاليم، وتخصيص أسيوط كوحدة دون مبرر. وفي بعض كتاباتي السابقة رجحت أن تكون الأقاليم إدارية وليست تخطيطية فقط - أي إزالة اللبس بين الإقليم والمحافظة، وأن تكون مكونات هذه الأقاليم هي: (1) القاهرة الكبرى: (محافظة القاهرة وشبرا الخيمة ووسط محافظة الجيزة). (2) إقليم الغرب: (البحيرة بتعديلات، الإسكندرية، مطروح). (3) إقليم الدلتا: (المنوفية والغربية وكفر الشيخ). (4) إقليم شرق الدلتا: (الشرقية والدقهلية ودمياط ووسط وشمال القليوبية). (5) إقليم سينا-السويس: (بورسعيد والإسماعيلية والسويس وسيناء الشمالية والجنوبية وشمال البحر الأحمر حتى قرب الغردقة). (6) مصر الوسطى: (جنوب الجيزة وبني سويف والفيوم والمنيا وواحتي البحرية والفرافرة وامتداد إلى البحر الأحمر حول الغردقة). (7) إقليم الصعيد: (أسيوط وسوهاج وقنا وواحتي الخارجة والداخلة وامتداد إلى وسط البحر الأحمر نحوا من سفاجا والقصير إلى مرسى علم). (8) إقليم أسوان-الجنوب: (أسوان وجنوب البحر الأحمر من مرسى علم إلى حلايب وشرق العوينات والجلف الكبير).
وسواء خافت المركزية من فقدان سلطاتها فأبقت على تنظيم المحافظات الحالي، أو أخذت خطوة شجاعة بتغير كيانات المحافظات الحالية إلى أقاليم أرحب مساحة وسكانا وموارد وطاقات تنموية، فإن الأمر في النهاية يوجب على السلطة المركزية تفويض جوانب كثيرة من سلطاتها إلى الأقاليم أو المحافظات من أجل خلق روح عمل ومبادرات محلية تبدأ من الواقع في كل الجهات وعلى كل الأصعدة. فلقد درجنا على أنه لا يبت أمر بدون الوزير، ولما لم يكن في استطاعة أي وزير استطلاع العمل في كل إداراته ووكالات وزارته في 26 محافظة إلا إذا قام برحلات مكوكية دائمة غير معلنة؛ ولهذا ففي الواقع تظل أجزاء كثيرة من العمل في الأقاليم عليها ظلال وحجب تظهر من حين لآخر حين يقوم الوزير بزيارة قد لا تكون مفاجئة - كزيارة وزير التربية الأخيرة لبورسعيد. كما أننا نطالع باستمرار في الصحف القومية مشكلات غالبيتها حيوية في كثير من المحافظات مما يؤكد قصور المركزية عن متابعة كل شيء، إلا إذا تحولت بعض الوظائف إلى عيون ترصد وتبلغ، وهو أمر ممجوج حقا إذا تحولنا إلى دولة بوليسية، وإذا استشرى ذلك فإنه سوف يحجم روح المبادأة عند الكثير من المجتهدين الغيورين على الصالح العام فيتوقف عطاء كان يمكن أن يكون مفيدا للناس أو محقا للحق قدر الإمكان.
الفصل الرابع
حول بعض أقاليم مصرية مختارة وقضاياها الراهنة
تمهيد
Page inconnue