Égypte: La texture des gens, des lieux et du temps
مصر: نسيج الناس والمكان والزمان
Genres
خصوصية الزراعة المصرية
وإذا عدنا مرة أخرى إلى مصر بعد هذا الاستطراد الضروري نجد أن المصريين بعد معرفة الزراعة أخذوا يدرسون أمور المكان بدقة، وهو ما أنتج الفكر الفلكي وأول تقويم للسنة وأمور الهندسة والبناء الحجري الدائم ووسائل النقل المائي للإجابة على تساؤلات حول طبيعة النهر ونمو الزرع: متى يكون الفيضان والجفاف، وإلى أي حد يصبح الفيضان مرضيا أو عاليا أو مدمرا أو منخفضا يشيع المجاعة. وكيف يمكن ترويض مياه النهر لتصل إلى الحقول فتمنحها الرطوبة اللازمة لنمو البذور، وكيف نجعل النهر يلقي بحمولته من الغرين لإضافة خصوبة التربة ...
كل ذلك من السؤال والتساؤل جال بالأذهان بين من يفكرون في المزيد من الأمان الإنتاجي لمحاصيلهم الغذائية وأعلاف حيواناتهم. ولأن المصريين في مجموعهم شعب تجريبي لا يبحث كثيرا عن النظريات لحل أطروحات المواقف المختلفة، فإن ما وصل إليه الفكر الزراعي المصري في هندسة الري من نظام نعرفه باسم «ري الحياض» كان في الحقيقة إنجازا مبهرا وإبداعا عبقريا بكل المقاييس منذ ستة آلاف عام أو يزيد. ولأنه لم يكن نظرية لشخص معين فإن الواضح أنه كان نتاج التجريب هنا وهناك ثم شاع وأصبح نظاما شاملا للري في مصر. وبالمناسبة فإن مصر كانت أيضا رائدة في نظم التحكم بمياه الأنهار، والأغلب أن القناطر الخيرية كقرار سياسي لمحمد علي باشا الكبير، كانت أولى تجارب العالم في العصر الحديث في إنشاء السدود على الأنهار.
محدودية علاقة الشعب والدوائر العليا
ومهما آلت إليه الأمور من صراعات بين ملوك وأمراء وكهنة وكتاب ووزراء وقواد في الدوائر العليا الحاكمة في مصر فإن مردوده على الإنتاج الزراعي كان قليلا ومحسوسا بقدر. فعلاقة الشعب بدوائر القصر والمعبد جد محدودة، لا تظهر سوى من خلال الضرائب العينية على الأغلب أو النذور والوفاء بالمتطلبات الدينية من أجل الحياة الأخرى، أو حمل السلاح للدفاع عن الوطن.
وعلى هذا فسواء كان الحكم المركزي للملوك والكهنة قويا أو ضعيفا فإن العلاقة مع الشعب كانت دائما مباشرة مع الحكام المحليين، سواء كانوا معينين من قبل الدوائر العليا أو عينوا أنفسهم كأمراء حرب ونفوذ إقليمي. ولهذا فالاستقرار بصورة أو أخرى كان الميزة الأساسية في مصر بالمقارنة بسهول غنية مماثلة في ميزوبوتاميا - العراق حاليا. والشيء الوحيد الذي يقض الاستقرار كان دائما من جانب النيل: فيضان منخفض أو كبير مدمر يؤذن بمجاعة أو ما يقرب منها - وهي حالات لحسن الحظ ليست متكررة عدة سنوات متلاحقة إلا في ظروف متغيرات مناخية طارئة وسرعان ما يعود الحال إلى الاستقرار.
وإذا كانت الأمور قد استقرت هكذا آلاف السنين فإن معنى ذلك دوام واستمرار المبادئ في الفكر والتطبيق والفولكلور والفن ومعظم نظم حياة المجتمع آلاف السنين هو الآخر. صحيح أن الزمن وأن العلاقات بين الحضارات تؤدي إلى تغييرات ما، لكن التغيير يحدث سريعا في ممارسة المنتجات المادية كسلاح الحرب أو آلات الزراعة ورفع المياه إلى الحقول أو زراعة أنواع جديدة من المحاصيل كالتبغ أو القطن أو البطاطس، بينما التغيير بطيء جدا في القيم والخلقيات والسلوك والاعتيادات والعقائد وغير ذلك كثير، بل إننا نجد بعض التغيير في معتقدات معينة حين تدخل عقيدة فوق أو محل أخرى، فإن العقيدة القديمة تغزو الجديدة من أسفل وتتداخل في بعض طقوسها؛ أي إننا نجد استمرارية تشبه بصورة أو أخرى الممارسات السابقة لمعتقد مع تغير اسم صاحب الممارسة الطقسية من واحد من آلهة وإلاهات قديمة إلى قديس أو قديسة أو ولي أو شيخة. فالمزار والموسم والدعوات وطلب الشفاعات من صاحب المكان والالتجاء إليه حسب الطلب والنذور وغيرها من الطقوس كلها واحدة أو متغيرة قليلا، ولكنها في النهاية تهدف إلى طلب الوساطة مع الضراعة وتوقع نجاح المسعى الذي من أجله جاء من بعيد وعليه أنفق الكثير ...
وفيما يأتي بعض هذه الاستمرارية في التواصل الحضاري المصري على مر الزمن في صورة شديدة الاختصار لكنها تنقل إلينا هذا الصمود المصري طويل الأجل ... (2) تواصل التراث الحضاري في مصر آلاف السنين
نموذج المعبد والكنيسة والجامع
الغرض الأساسي من الموضوع هو تأكيد أن بعضا من عناصر ثقافات الماضي لها استمرارية طقسية وضمنية في الحاضر، وإن اختلفت المسميات والعقائد. ولا شك أن الموضوع مفتوح للبحث والتقصي في الشكل والمضمون في الحاضر كما كان في الماضي وكما سيكون في المستقبل.
Page inconnue