Égypte: La texture des gens, des lieux et du temps

Mohammed Riyad d. 1450 AH
163

Égypte: La texture des gens, des lieux et du temps

مصر: نسيج الناس والمكان والزمان

Genres

ومع متغيرات الزراعة المصرية من ري الحياض إلى الري الدائم، وتحديد مسار النيل بالجسور وتقنين كمية المياه بالقناطر والسدود وصلنا إلى أقصى تفعيل ممكن لمياه هذا النهر الخالد. لكننا لسنا وحدنا في حوض النيل، فهناك تسع دول تشاركنا في ملكية ماء النهر بدرجات ومساحات متفاوتة. بعض الشركاء ليسوا في حاجة حيوية لمياه النيل بما يتوفر لهم من أمطار وبحيرات ومستنقعات. والأغلب أن احتياجاتهم الأساسية هي الحصول على الطاقة الكهربائية بإقامة سدود متعددة - جنبا إلى بعض المشاريع الزراعية خلال موسم قلة المطر والجفاف. وهذا هو حال كل دول المنابع الاستوائية للنيل - أوغندا وكينيا وتنزانيا والكنغو ورواندا وبوروندي. وتمثل إثيوبيا دولة منابع تتميز بعشرات الروافد التي تتحد في ثلاثة نظم نهرية كبيرة تتصل بالنيل في السودان هي السوباط والنيل الأزرق والعطبرة. وأمطار إثيوبيا عادة كافية تسقط في موسم واحد، وتتعرض للذبذبة في الكمية وموسم السقوط؛ مما يترتب عليه مجاعات مخففة أو ثقيلة خاصة في شمال إثيوبيا في حوض العطبرة، وفي إريتريا حيث حوض نهر الجاش الذي يرفد العطبرة أحيانا، وأصبح الآن مجالا هاما للزراعة والنمو الاقتصادي في جنوب غرب إريتريا وجزء من شرق السودان.

وتعتبر السودان ومصر دولتي مصب تتجمع فيهما كل مياه المنابع الاستوائية والحبشية. وتختلف السودان عن مصر في أن الجنوب وافر المطر والمجاري النهرية القادمة من المنابع الاستوائية، فضلا عن مياه نهر السوباط الذي يصرف جنوب غرب إثيوبيا. لكن جانبا كبيرا من هذه المياه يضيع بالبخر والنتح النباتي في منطقتي مستنقعات السدود ومشار الشاسعتين. أما شمال السودان فهو صحراوي مشابه في جفافه إلى حد كبير مع الصحاري المصرية. ووسط السودان يتأرجح بين ندرة المياه شماله ووفرتها جنوبه. والوسط هو حتى الآن المجال الأكثر أهمية في حياة السودان الاقتصادية والسكانية. وتحصيل حاصل أن المعمور المصري يتركز حول النيل في الوادي والدلتا.

هذا الاستعراض السريع يوضح أن الحاجة للمياه يمكن أن تصنف إلى: (1)

إلحاح شديد في مصر (70 مليون فرد). (2)

إلحاح مماثل في السودان الأوسط والشمالي وإن يكن بدرجة أقل نسبيا (28-30 مليون فرد). (3)

احتياج إلى تأمين مصادر معقولة للمياه للزراعة الدائمة سواء كان المطر كافيا أو شحيحا في إثيوبيا الشمالية والغربية (نحو 60 مليون فرد)، وفي إريتريا (نحو 4 ملايين). (4)

احتياج إلى إقامة مشروعات حجز للمياه في بلاد المنطقة الاستوائية أيضا بغرض استزراع، ولكن بالأساس لتوليد الطاقة الكهربائية.

إن حصة مصر من مياه النيل مثبتة منذ اتفاقية 1959 مع السودان عند 55,5 مليار متر مكعب سنويا. وهناك أفكار في السودان نحو تعديل الاتفاقية بحيث ترتفع حصتها عن المقنن الحالي البالغ 18,5 مليارا من أجل إقامة مشروعات زراعية للسكان المتزايدين في النطاق الأوسط، خاصة بعد التزاحم فيه نتيجة للعمليات العسكرية في الجنوب وهجرة السكان إلى مناطق لا تطولها ويلات الحرب. هذا فضلا عن عملية التحضر لكثير من القبائل السودانية والتي تتكدس بالدرجة الأولى في إقليم الخرطوم. ولدى إثيوبيا مشروعات طموحة لإنشاء عدد كبير من السدود الصغيرة والمتوسطة على الروافد النيلية العديدة. وهذه المشروعات ربما تسييسها شركات مقاولات عالمية كبرى، قد لا نستثني منها استشارات إسرائيلية كوسيلة للضغط على مصر كي توافق على بيع أكثر من نصف مليار من مياه النيل سنويا - غالبا عبر شمال سيناء!

وهذا أو ذاك مما قد يؤثر على الحصص المائية لدول الحوض قد استدعى تأسيس «مجلبس وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل» عام 1998 من أجل التفاهم المشترك، وربما من أجل عقد اتفاقية مياه أشمل من الاتفاقية الحالية بين مصر والسودان، تشارك فيها معظم دول النهر إن لم يكن جميعهم. وبطبيعة الحال فإن هذا أمر مشروع أن يكون لدول المجرى حقوق في المياه الجارية، لكنه قد يتعارض مع الحقوق الراهنة والتاريخية، فضلا عن تقييم الحصص على ضوء الحاجة الفعلية وكثافة السكان حول المجرى النهري وروافده، وكثافة العمل الزراعي على المياه، إلى آخر ذلك من القضايا التي هي حياة أو موت في ظل الأحوال الراهنة، وأفضليتها بالنسبة إلى إقامة مشروعات تنمية مستقبلية.

والمطلوب الآن ألا تظل أمور المياه بعيدة عن الإعلام العام في مصر حتى لا يفاجأ الناس بخبر خطير حول حصة مصر. والمعنى أن مثل هذا الموضوع لهو من الحساسية بحيث لا يجب أن تظل حقائقه باهتة أمام المهتمين بل وكل المصريين. فهو في نتائجه أشبه بحالة حرب إذا أدركها المواطن تصرف بما تقتضيه أمور الحرب من توفير واقتصاد في الاستهلاك. والملاحظ أن قلة التوعية بالمياه هي سبب لاستخدام غير مرشد للمياه في الحقل والمصنع والمسكن وأبنية الحكومة. فلا تزال كثرة الناس على ما ولدوا عليه أن النيل معطاء على الدوام. أعط الناس المعلومات الصريحة يتجاوبون معك ويتكون رأي عام على قدر الأهمية التي نوليها الآن لشئون البيئة!

Page inconnue