L'Égypte et le Levant, passé et présent
مصر والشام في الغابر والحاضر
Genres
ولم يكن تأثير الشافعي مقصورا على الناحية الفقهية، بل تعداها إلى الناحية الأدبية، فقد كان الشافعي - كما هو معروف - أديبا راوية للشعر والأخبار، قوي الاطلاع على كتب اللغة ومفرداتها، بارعا في الكتابة وله أسلوب خلاب، وقد تأثر به تلاميذه المصريون في أسلوبه، ومن مشاهيرهم: يوسف بن يحيى البويطي (سنة 231ه)، والربيع الجيزي (سنة 256ه). ولم تقتصر حركة الشافعي هذه على مصر وحدها، بل تعدتها إلى الشام، وأول من نقل مذهب الشافعي إلى الشام أبو زرعة الدمشقي محمد بن عثمان، وهو أول من تولى قضاء الشافعية بمصر، ثم عزل ورجع إلى دمشق وكان الغالب على أهلها مذهب الأوزاعي فنشر المذهب الشافعي فيهم.
هذا من الناحية الدينية، أما من الناحية العلمية فقد تبادلت مصر والشام منذ فجر الإسلام العلماء، فقد رأيت أن خالد بن يزيد الأموي كان يطلب من مصر علماءها ليترجموا له، ومنهم عبد الملك بن أبجر الكناني الطبيب العالم، وكان في أول أمره يقيم بالإسكندرية، ولما ملك المسلمون البلدة أسلم على يد عمر بن عبد العزيز فجعله صاحبه واعتمد عليه في صناعة الطب وترجمة بعض آثار الأقدمين في الطب لنشرها بين المسلمين.
وأما الناحية الأدبية فقد كان كثير من شعراء بلاد الشام يقصدون أمراء مصر الأمويين ويمدحونهم، مثل أيمن بن خريم الأسدي الذي قدم على عبد العزيز بن مروان وهو أميرها، وقد أقام عنده وأكثر من مدحه حتى قدم عليه الشاعر نصيب بن رباح فتركه. ومنهم الحزين الكناني وكان من شعراء عبد الله بن عبد الملك بن مروان أمير مصر. ومنهم عبد الله بن الحجاج وكان يفد على عبد العزيز بن مروان أيضا، وقد مدحه وأقام عنده مدة ثم رجع إلى الكوفة. ومن الشعراء العراقيين الذين وفدوا على الشام ومصر وكان لهم في أدبائهما تأثير عميق؛ أبو نواس، فقد زار القطرين واجتمع بأدبائهما وشعرائهما وأسمعهم شعره فعجبوا له وأكبروه مثل ديك الجن الحمصي وابن الداية المصري، قال السيوطي: إن أدباء مصر وشعراءها تسابقوا لمصاحبة أبي نواس وكتابة شعره، وروى ديك الجن أنه قد زار مصر بعد رحلة أبي نواس عنها فوجد له أشعارا كثيرة لا يعرفها غير المصريين. وروى حمزة الأصفهاني أنه وجد رسالة في شعر أبي نواس سقط منها الشعر الذي قاله في الشام ومصر، قال: وقدم علينا رجل من حمص حافظ لشعر أبي نواس، وزعم أن أباه كان لقي أبا نواس بحمص فكتب عنه قصائد أنشدها في مصر.
ومن هؤلاء الشعراء أيضا دعبل بن علي الخزاعي، وكان قدم من العراق إلى مصر والشام، وفي مصر اتصل بأميرها المطلب الخزاعي فأكرم المطلب وفادته وولاه إقليم أسوان وأقام فيه مدة ثم تركه، وله مدائح وأهاج في المطلب.
ومنهم أبو تمام، فقد رحل إلى مصر طفلا ودرس فيها وقال فيها أول شعره، وقد افتخر المصريون بنسبته إليهم وعده الكندي - المؤرخ المصري - في كتابه أحد فضائل مصر. ولأبي تمام وهو في مصر شعر مدح فيه أميرها عبد الله بن طاهر سنة 221ه، وله فيها شعر يصف فيه الوقائع التي كانت في الحوف والتي قتل بسببها عمير بن الوليد. ولما رجع أبو تمام الشام كان كثيرا ما يذكر أيامه وإخوانه في مصر ويقول:
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا
بالرقمتين وبالفسطاط إخواني
وقد كان لأبي تمام تأثير كبير في الشعر المصري، فقد كان شعر المصريين قبله ضعيفا، فخلقه خلقا آخر وقلده الشعراء المصريون في كثير من شعره، نذكر منهم أحمد بن محمد الحبيشي الذي مدح القائد محمد بن سليمان بقصيدة بائية تكاد تكون في ألفاظها ومعانيها كقصيدة أبي تمام.
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
Page inconnue