L'Égypte et le Levant, passé et présent
مصر والشام في الغابر والحاضر
Genres
وبعد أن رحل الفرنسيون عن مصر عادت إليها الاضطرابات والفوضى السياسية والإدارية، ولكنها مع ذلك أخذت تمتاز عن البلاد الشامية بما رأته من النشاط العلمي والاجتماعي الفرنسي أثناء تلك الفترة القصيرة التي أقامها الفرنسيون في مصر، ولكن لم تنهض البلاد نهضتها الكبرى إلا في عهد محمد علي باشا مؤسس البيت المالك المصري الكريم سنة 1220ه، فمنذ هذا التاريخ أخذ الأمن والنظام ينتشران في مصر، ولما استتب الأمر لمحمد علي في مصر رأى ما كان يراه قبله من الأمراء المسيطرين على مصر أنه لا بد له من السيطرة على الديار الشامية، فأمر في سنة 1247ه بإعداد جيش عظيم لفتح الشام. وإليك ما يقوله المستشرق الفرنسي الطبيب كلوت بك عن هذه القضية: «إن ضم سورية إلى مصر كان ضروريا لصيانة ممتلكات الباشا، فمنذ تقرر في الأذهان أن إنشاء دولة مستقلة على ضفاف النيل يفيد المدنية فائدة عامة، وجب الاعتراف بأنه لا يمكن إدراك هذه الغاية إلا بضم سورية إلى مصر، وقد رأينا فعلا أن موقع البلاد الحربي لا يجعلها في مأمن من الغزوات الخارجية خصوصا عن طريق برزخ السويس، فإذا استثنينا غزوة الفاطميين المغاربة وغزوة الفرنسيين بقيادة نابليون، نجد أن سائر الغزوات جاءت عن طريق سورية: كغزوة الفرس في عهد قمبيز، وغزوة الإسكندر والفتح الإسلامي، وغزوتي الأيوبيين والأتراك، وعلى ذلك لا يمكن الاطمئنان إلى بقاء مصر مستقلة إلا بإعطائها الحدود السورية؛ لأن حدودها ليست في السويس، بل في طوروس.»
هكذا يقول كلوت بك، ولا شك في أنه ما قال هذا القول إلا بعد إقناع الباشا به، وقد قسم الباشا جيشه إلى قسمين: قسم يذهب إلى الشام برا، وقسم يذهب إليها بحرا، وقد جعل على رأس هذا الجيش ولده إبراهيم باشا، فسار الجيش وفتحت فلسطين من أقصاها إلى أقصاها بعد حصار قليل لمدينة عكا، ثم سارت الجيوش نحو الشمال ففتحت دمشق فحلب، وعمت الأفراح في بلاد الشام بالفتح المصري حتى قال شاعر الشام في وقته الشيخ أمين الجندي في ذلك من قصيدة يمدح بها إبراهيم باشا، ويسرد بعض أحوال الموظفين الأتراك وفظائع الجند العثماني وما كانوا يعاملون به الناس من سوء الخلق:
وقد استباحوا المنكرات فلا تسل
عما توقع منهمو وتحصلا
وقضاتهم للسحت قد أكلوا فهل
أبصرت حيا عن مضرتهم خلا؟
نبذوا الشريعة من وراء ظهورهم
وطغوا وزادوا في الضلال توغلا
ومشايخ الإسلام أصبح علمهم
جهلا فلم تر قط منهم أجهلا •••
Page inconnue