وكان لأوزوريس زوجة مخلصة هي إيزيس، خرجت تبحث عنه في كل مكان، حتى عثرت على الصندوق، وجلست بجانبه تبكي زوجها المحبوب. ولكن فاجأها سيت، وخطف الجثة من بين يديها، وقطعها إربا إربا، ونثرها في الهواء، فزاد ذلك في حزن إيزيس، حتى هامت على وجهها تجمع ما تناثر من لحم زوجها، وتدفنه حيث تجده.
وكان لإيزيس طفل يدعي هوروس، فلما كبر وصار رجلا تبارز مع سيت وقتله انتقاما لوالده. هنالك اجتمعت الآلهة وتبين لها من محاسبة الشقيقين ما كان أوزوريس عليه من الحق والهدى، وما كان أخوه عليه من الغي والضلال، ثم إنهم رفعوا أوزوريس إلى مصاف الآلهة، وعينوه قاضيا يحاسب الناس بعد الموت.
واستنتج المصريون من هذه القصة الاعتقاد بالحياة بعد الموت، فقالوا: إذا كان أوزوريس قد بعث بعد الموت، فإن الذين يعبدونه يبعثون كذلك ويعيشون معه.
وتشابه هذه القصة ما ترويه الكتب المقدسة عن موت المسيح، وبعثه حيا بعد ذلك.
وكانوا يعتقدون كذلك أنه إذا مات الإنسان على الأرض تصعد روحه - بعد تحنيطه ودفنه - إلى أبواب قصر أوزوريس في الدنيا الأخرى؛ حيث تحاسب الأرواح في المحكمة الإلهية، وكان لا بد للروح من معرفة أسماء الأبواب السحرية لكي تدلها على المحكمة.
وكان بالمحكمة ميزان كبير يقف بجانبه إله لتدوين نتائج حساب الأرواح، وكان يجلس في جوانب المكان اثنان وأربعون مخلوقا مفزعا؛ وهم الذين يعاقبون الخطاة الذين اقترفوا ذنوبا معينة، فإذا دخلت روح إلى المحكمة تتقدم من هؤلاء، وتعترف لهم بأنها لم تقترف ذنبا من الذنوب المنصوص بعقاب من يقترفها. بعد ذلك يحضر قلب صاحب الروح، ويوضع في إحدي كفتي الميزان، ويوضع في الكفة الأخرى ريشة، وهي رمز الصدق، فإذا رجحت كفة القلب كانت الروح خاطئة، وجزاء صاحبها أن يقذف بقلبه بين براثن وحش عظيم، يتكون نصفه من التمساح، والنصف الآخر من فرس النهر، وكان دائما يربض خلف الميزان ليلتهم القلوب الخاطئة. أما إن رجحت كفة الصدق «الريشة» فإن هوروس يقود الرجل إلى حضرة أوزوريس؛ حيث يسمح له بالدخول في السماء.
ولكن ما هذه السماء؟ لقد كون المصريون عنها عدة أفكار متباينة، منها ما هو ظريف؛ وهو أن الأرواح العادلة تصير نجوما تضيء العالم إلى الأبد، ومنها أن هذه الأرواح ترافق الشمس في سفينتها، وتسير معها في سياحتها الأزلية.
ولكن الفكرة التي كانوا يرجحونها هي ما يتصورونه عن وجود بلد عجيب يدعي «حقل البردي» في مكان قاص جهة الغرب؛ حيث تنمو شجرة القمح، وترتفع ثلاث ياردات ونصفا في الهواء، وتكون سنبلتها ياردة كاملة، وتكتنف أرض الحقل القنوات الجميلة المفعمة بالأسماك، حولها الغاب والبردي، فإذا تركت الروح المحكمة سارت في طرق غريبة محفوفة بالأخطار، حتى تصل إلى ذلك المكان الجميل حيث يقضي الميت، - وهو حينئذ حي خالد - حياة أبدية في سعادة لا تشوبها شائبة، يزرع ويحصد، أو يتريض في قاربه، أو يلعب في المساء تحت شجرة الجميز.
ومثل هذه السماء تجذب قلوب من تعودوا الأعمال العظيمة ، ومارسوا أشق الحرف، وكابدوا الكثير من متاعب الحياة؛ أما النبلاء فلم تستهوهم هذه السماء، فهم لا يقومون بأي عمل على الأرض، فلماذا يكلفون أنفسهم ذلك في السماء؟
وأعملوا الفكرة ليهتدوا إلى طريقة يستطيعون بها أن يستصحبوا معهم عبيدهم إلى السماء، وأظنهم حاولوا ذلك في بادئ الأمر بقتل العبيد في قبر سيدهم، حتى يرافقوه إلى السماء ويقوموا بأعماله كما كانوا يفعلون في الأرض.
Page inconnue