أهم أدواته صندوق خشبي طويل وضيق جدا، وهو يختلف عن ريشة المصور، وهو عبارة عن كتلة خشبية في وسطها تجويف طويل، وحوله تجويفان أو ثلاثة أقل غورا وأضيق من التجويف الأول. ويوجد في هذا التجويف أقلام قلائل مصنوعة من قصب دقيق، مرضوضة من نهاياتها كالفرشاة، ويوضع في التجاويف الأخرى حبر أسود وهو يستعمل في معظم الكتابة، وأحمر، وتكتب به بعض كلمات، وربما أضاف الكاتب لونين آخرين؛ لتكون الكتابة في أبهى حلة. ويجلس الكاتب القرفصاء، ويغمس قلمه القصبي في الحبر ثم يكتب.
وهو إذا كتب أجزاء مهمة في الموضوع استعمل لونا زاهيا.
والآن نستطيع أن نفهم أن الكتابة بالصور لم تكن أمرا سهلا، خاصة وأنه لم يكن مع الكاتب إلا قلم من البوص.
ولكن على مرور الزمن تطورت الكتابة، وأخذت في النقصان والصغر، حتى اكتفوا أخيرا بأن يرمزوا بعلامات تدل على المعبر عنه، بدلا من رسم صورته، وهكذا أصبحت الكتابة الهيروغليفية سهلة التدوين، ككل الكتابات.
وقد كتبت كثير من المؤلفات باللغة الجديدة، وكانوا يسمونها اللغة الكهنوتية أو الهيراطيقية، ولكن جزءا كبيرا من الكتب العظيمة كانت تكتب باللغة القديمة.
ولقد ترك المصريون في لفات البردي عصارة أفكارهم ومشاعرهم، وخلاصة تجاريبهم. فمن النصائح الحكيمة، إلى القصص الخرافية - وقد أوردنا بعضها - إلى أساطير الآلهة، وكذلك وصف الأسفار والرحلات، وغير ذلك بما ليس له حصر.
وأهم كتاب في هذه المخلفات يختص بالديانة المصرية، واسمه كتاب الموتى، والبعض يدعوه الإنجيل المصري. وليس هذان الاسمان صحيحين، وهو - مهما كان - لا يشبه الإنجيل. ولقد سماه المصريون «فصول عن البعث»، والسبب في وضعه هو اعتقاد المصريين بأن من يقرأ نصائحه يأمن أخطار الدنيا الأخرى.
وكان الكتبة ينسخون من الكتاب أعدادا كثيرة، يحفظونها كرأس مال احتياطي، وكانوا يتركون في بعض الصفحات مسافات خالية، وهي التي تشمل أسماء الأموات الذين يشترون الكتاب في أثناء حياتهم.
وكان إذا مات فرد - لم يكن قد اشترى الكتاب - يذهب أحد أهله إلى كاتب، ويشتري نسخة من كتاب الموتى، ثم يملأ الأمكنة الخالية بأسماء الميت. وينبغي دفن الكتاب مع الميت في قبره، حتى إذا اعترض طريقه إلى السماء حيات أو أرواح نجسة استطاع - بما هو مكتوب في الكتاب - أن يدفع شرهم وينحيهم عن طريقه، وإن قامت في طريقه العقبات كوجود بعض الأبواب التي يتعذر عليه فتحها، ويلزمه المرور منها لمواصلة السير، أو لوجود بعض الأنهار التي لا يمكنه عبورها؛ فإنه بعد تلاوة الكلمات السحرية الموجودة في الكتاب يتمكن من تذليل كل هذه الصعاب.
وقد كتبت بعض هذه النسخ بإتقان وجمال بلغا حد الكمال، وشرحت بصور صغيرة هي غاية في الدلالة والتنسيق، وكلها تمثل نواحي مختلفة من حياة العالم الثاني، ومن هذه الصور تمكنا من معرفة عقائد قدماء المصريين عن الحساب بعد الموت، وعن السماء.
Page inconnue