وجلست مفكرا، ثم دوى في الفضاء صوت صارخ كالرعد القاصف أزعج السكون الشامل، وهز الأشجار، وزلزل الأرض. فنظرت حولي بخوف مستطلعا فرأيت ثعبانا هائلا يزحف نحوي، وكان طوله خمسين قدما، وطول شوكته ثلاث أقدام، وكان جسمه يتلألأ تحت أشعة الشمس كالذهب. ولما اقترب مني التف حول نفسه، حتى صار كعمود مرتفع ذي حلقات، فارتعبت، وسقطت على وجهي من شدة الخوف والفزع، فابتدرني قائلا: «ما الذي أتى بك إلى هنا أيها الشيء الصغير؟ ما الذي أتى بك إلى هنا؟ تكلم؛ إنك إن لم تخبرني سريعا عما أتى بك إلى هذه الجزيرة فسأفنيك كما يفنى اللهب.»
ولم يتم حديثه حتى أخذني في فمه، وحملني إلى وجاره، وتركني على الأرض، ولم يمسني بأي سوء، ثم قال ثانيا:
ما الذي أتى بك إلى هنا أيها الشيء الصغير؟ ما الذي أتى بك إلى هذه الجزيرة؟
وهنالك قصصت عليه تاريخ رحلتي، من وقت إبحارنا إلى مصر، حتى ساعة غرق السفينة، وأخبرته كيف غرق زملائي ونجوت وحدي، فقال لي: «لا تخف أيها الصغير، وامسح مسحة الحزن عن وجهك. إذا كنت أتيت إلى هنا، فالرب هو الذي أرسلك إلى هذه الجزيرة المملوءة بالخيرات. اسمع الآن؛ ستقيم هنا أربعة أشهر، وفي نهايتها ستقدم سفينة من وطنك إلى هذه الجزيرة، وستعود فيها إلى وطنك آمنا، حيث تموت في مسقط رأسك. وإن أردت أن تعلم شيئا عني فاعلم أني أقيم هنا مع رفقاء لي ومع أولادي، وعددنا جميعا خمسة وسبعون، وبجانب ذلك كانت توجد فتاة صغيرة أتى بها القدر إلى هنا، وقد حرقت بنار من السماء. وإذا كنت قويا وصبورا فسوف تعانق أولادي وزوجتي، وتعيش معنا سعيدا حتى تعود إلى وطنك.»
وهنا انحنيت أمامه باحترام، ووعدته بأن أقص خبره لفرعون، وأن أعود إليه بسفن محملة من جميع كنوز مصر، التي لا يوجد مثيل لها في البلدان الأخرى. ولكنه ابتسم لكلامي، وقال: «ليس في بلادك ما أرغب فيه، لأني أمير بلاد «بنت»، وكل كنوزها ملك لي، وفوق ذلك فإنك بعد أن ترحل من هنا لن ترى هذه الجزيرة مرة أخرى؛ لأنها ستكون حينذاك أمواجا كأمواج البحر.»
وانتظرت أربعة أشهر، وقد صدقت كلمة الثعبان، وأتت السفينة الموعودة، وقد حدثني الثعبان قائلا: «وداعا وداعا، اذهب الآن إلى وطنك أيها الصغير وتمتع برؤية أطفالك بعد هذا الغياب، ولا تذكر اسمي إلا بالخير؛ هذا كل ما أرغب فيه.»
وودعته، وركبت السفينة بعد أن زودني بعطايا نفيسة، مثل العاج والأخشاب وغيرهما.
وقد وصلنا أرض مصر بعد شهرين في الماء، وسأحظى بالمثول بين يدي فرعون، وأقص له قصتي، وأقدم له هدايا الثعبان، وسوف يشكرني الملك في حضرة عظماء مصر ا.ه. •••
أما القصة الأخيرة، فقد كتبت بعد قصة السفينة السابقة بمدة طويلة.
في سنة 150 قبل الميلاد، حكمت مصر أسرة مالكة اشتهرت بميلها الحربي ، وقد أسس أفرادها إمبراطورية كانت من السودان جنوبا إلى سوريا وناهارينا شمالا، وكانت هذه الإمبراطورية أرضا مجهولة قبل فتحها وامتلاكها، فكانت هذه الأرض مثل أمريكا على عهد الملكة إليزابث.
Page inconnue