Égypte de Nasser à la guerre d'octobre
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
ذات مرة أخبرني هيكل على نحو عابر أن محاكاة السادات لستالين ترجع إلى حب السادات لمشاهدة الأفلام السينمائية في منزله ليلا، وأن أكثر ما يثير إعجابه هو أفلام رعاة البقر الأمريكية وقصص الحب الميلودرامية. كان هيكل يقص علي ذلك إبان العمليات العسكرية في أكتوبر متسائلا في دهشة عن السبب الذي يدعو السادات أن يهدر وقته وصحته على مشاهدة الأفلام ليلا ، في الوقت الذي يحتاج فيه إلى جهد وتركيز عظيمين، وخاصة أن الوضع على الجبهة قد بات أكثر تعقيدا. صاح هيكل قائلا: «الإسرائيليون يتسللون هناك، وهو يشاهد السينما! أين يحدث ذلك؟»
في الواقع، فإن كل مقار الرئاسة، على كثرتها، كانت مجهزة بمعدات العرض السينمائي، فإذا ما توقف في أحد المقار التي نادرا ما يزورها، فمن الضروري أن يحضروا له جهاز عرض نقال. وقد رأيت ذلك، على سبيل المثال، عندما استقبلني السادات ذات مرة، لسبب لا أذكره، في استراحة حلوان.
أثناء حواره يحاول السادات التأثير في محدثه، مستعرضا مشاعره، وهو محدث لبق، يصوغ أفكاره بشكل واضح ودقيق، ولكنه قادر في الوقت نفسه أن يقنع من أمامه بشكل مباشر أنه تعرض للإساءة، مثله مثل طفل، وأن الذي أساء إليه يستحق العقاب الفوري.
في شهر أكتوبر وأثناء العمليات العسكرية تلقيت تكليفا بالقيام بدور ما يشبه بالون الاختبار بأن أبلغ السادات وعلى نحو عابر تماما أنني قبيل قدومي مباشرة للقائه استطعت على عجل أن أطلع على برقية لم «أستطع» قراءتها كاملة، وهي برقية وصلت إلي من أحد أقسام وزارة الخارجية وتتضمن أخبارا من نيويورك تفيد بأن ممثلين عن مصر اتصلوا بالأمريكيين، وأنهم ألمحوا إلى إمكانية الوصول إلى حل وسط بخصوص وقف إطلاق النار، الذي اقترحه الأمريكيون (من المعروف أن السادات في الأيام الأولى للحرب رفض رفضا قاطعا أية صياغات بخصوص وقف إطلاق النار، مطالبا بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من جميع الأراضي المحتلة باعتباره شرطا أساسيا، وهو مطلب لم يكن واقعيا بالطبع). أدرك السادات أن حديثي لا يخلو من غرض، وأن الأمر يتعلق هنا بعدم الثقة: هل سيدير المصريون المباحثات مع الأمريكيين من وراء ظهورنا؟ لقد فهم السادات على الفور أنه أيا كانت الحقائق (الآن أرى، على سبيل المثال، أن هذه المعلومات لم تكن بعيدة عن الحقيقة)، فإنه يجب عليه أن ينفيها وبصورة قاطعة. كم كان غضبه عندئذ شديدا! لقد احمر وجهه ولوح بيده تجاهي في غضب، كما لو كان يطرد عنه شيطانا. رحت أعتذر بالطبع لكوني ذكرت له عموما مجرد مدخل الخطاب الذي أرسله فضلا عن ذلك شخص «غير ذي صفة». عندئذ صاح السادات: «كلا، كلا! لست مخطئا. لقد تصرفت على النحو الصحيح بأن تحدثت إلي عن كل ذلك، أما هذا الذي أخبرك بذلك فيستحق العقاب. نعم. نعم، أقسي عقاب.» وقد أبلغت موسكو بذلك كله.
كان السادات رجلا غريب الأطوار، رجلا ذا عادات شرقية تماما، إذا جاز التعبير؛ فهو يعبر عن نفوره من ضيفه بالطريقة التي ينظم بها مجلسه في الغرفة التي يستقبله بها. وعندما تكون علاقتنا على ما يرام، كان يستقبلني عادة في مكتبه الرسمي، في غرفة الاستقبال، أو في غرفة مكتبه في منزله. كان يجلس على كرسيه ويدعوني للجلوس إلى الأريكة المجاورة ويتعامل معي بأدب جم.
ذات مرة تسنى لي زيارته في وقت من تلك الأوقات التي كان الرئيس يعبر فيها عن شعوره بالغضب تجاه الاتحاد السوفييتي. اقتادونا إلى قاعة كبيرة صفت فيها آرائك وكراس إلى الحوائط وأمامها وضعت مناضد صغيرة. وفي وسط هذا المكان الرحب وضع كرسي وحيد متوسط الحجم له ظهر مرتفع، وفي جانب آخر وضع كرسيان عاديان. لم يكن هذا التنسيق يلائم قاعة كبيرة ذات سقف مرتفع. قلت لرفيقي: «هل صحيح أنه سيستقبلنا رسميا على هذا النحو؟ وهل ينبغي علينا أن نخضع لذلك؟»
ثم ها هو الرئيس يدخل إلى القاعة. كان يسير وقد حمل ملفا تحت إبطه. خمنت على الفور من ملامح وجهه أنه سوف يجلسنا في هذه الأماكن التي تم إعدادها خصوصا لنا. وهو ما حدث بالفعل. جلس الرئيس على المقعد ذي الظهر المرتفع إلى جانب إحدى الموائد وقد كساه الوقار (أصدر الكرسي صريرا عند جلوسه، كان كرسيا من طراز قديم للغاية، لم أر مثله في القدم)، وعلى الجانب الآخر للكرسي جلسنا أنا ورفيقي. وإذا بمصور يظهر فجأة من حيث لا ندري، الأمر الذي كان ينذر بشيء لا يبعث على الاطمئنان. التقط لنا صورا ظهرت في الصحف في اليوم التالي. تمدد الرئيس في كرسيه مزهوا بنفسه، عصاه إلى جواره وقد وضع ساقا على ساق، وعلى الجانب الآخر جلس السفير ومستشاره على كرسيين وقد انتصب ظهراهما (لم يكن من طريقة أخرى). كان كل شيء يجري على نحو برجوازي مهيب للغاية.
واقعة مثيرة للفضول. جرى اللقاء التالي مع السادات في نفس المكان، ولكن بعد شهر تقريبا، وعلى مدى هذا الشهر كانت المياه قد عادت لمجراها الطبيعي. استقبلنا السادات في نفس القاعة الكبيرة، على أنها هذه المرة كانت مؤثثة تأثيثا غاية في البساطة. اتخذت مقعدي إلى جوار الحائط، لكن الرئيس دعاني للجلوس على الأريكة. اختفى من وسط القاعة ذلك المقعد الوثير واختفت معه الكراسي والمنضدة التي تم إعدادها في المرة السابقة.
كنت قد لاحظت سابقا أن السادات شخص شديد الريبة، مما يجعل بينه وبين الغدر خطوة واحدة. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية التي جمعت بيننا تراكمت لدي أمثلة كثيرة. لم يبعد السادات من حياته دولا فقط، بل إنه ألقى في السجون بكل الذين أحاطوه، وخاصة الذين ساعدوه على أن يصبح رئيسا، كما أبعد أيضا الذين شغلوا مناصب كبري من الناصريين. أقصي عزيز صدقي وعبد السلام الزيات ومحمود رياض ومحمد صادق وحافظ إسماعيل ومراد غالب وحتى هيكل وآخرين. وهؤلاء الذين دعموا السادات بإخلاص رئيسا، لم تكن لديهم أية أفكار للحد من سلطته، بل على العكس تماما، جميعهم كانوا يسعون للعمل معه. لكنهم ظلوا على صراحتهم، وكانت لديهم آراؤهم المستقلة، ببساطة كانوا أناسا أذكياء. يمكننا ألا نشك أن الرئيس، عند الضرورة، لم يكن أيضا ليأخذ بعين الاعتبار أولئك الذين كان يوليهم ثقته في الوقت الراهن ليتولوا مقاليد الأمور في مختلف المجالات، والذين يسيرون الآن على نهجه بكل حماس؛ فالرجل سوف يدير دفة الأمور إلى حيث يشاء، ثم يلقي بالمصيبة على رءوس من ينفذون تعليماته طوال الوقت بمبدأ السمع والطاعة.
هل للسادات أصدقاء؟ إن كان هناك، فمن هم؟
Page inconnue