Égypte de Nasser à la guerre d'octobre
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
أرسلنا إلى مصر طائرة من طائرات شركة أيروفلوت السوفييتية بناء على طلب السادات هبطت في مطار غرب القاهرة الحربي. كان موعد الإقلاع محددا له الخامسة صباحا. وقد وصل السادات في سيارة يقودها سامي شرف، وعلى المقعد الخلفي جلس محمد فوزي وزير الحربية وإلى جواره شعراوي جمعة. كانت هيئة السادات هزلية تماما ومزرية. كان يرتدي بالطو خفيفا وقبعة لم يعتد ارتداءها إطلاقا، وكان يضع، علاوة على ذلك، نظارة سوداء. ومثله كان كل من سامي شرف وشعراوي جمعة يضعان نظارات سوداء أيضا حتى لا يعرفا، كما أخبرني بذلك سامي شرف همسا.
جرى قطر الطائرة لتقف في مكان بعيد مخفي عن الأنظار الفضولية وراء تلال ما. وبالطبع لم يفكر أحد في «أمور بسيطة» مثل كيفية الصعود إلى الطائرة في مطار حربي لا توجد به سلالم لصعود الركاب، ومن ثم فقد جرى إعداد ما يشبه السلم من عدد من الصناديق حتى لم يتبق إلى باب الطائرة سوى أربعين سنتيمترا، وهنا اضطروا لمساعدة الرئيس بجذبه إلى الطائرة. كان الوضع بصراحة مضحكا ومؤسفا في الوقت ذاته؛ فما الداعي لكل هذه التصرفات الصبيانية؟
بعدما حلقت الطائرة في الجو طلب السادات إفطارا، وهنا اتضح أن أحدا لم يحضر له جبنه المفضل ولا حتى اللبن، واضطر الحضور لمشاركة طاقم الضيافة كل ما كان لديهم على الطائرة من طعام مثل بالكاد إفطارا لائقا أخلد السادات بعده إلى النوم.
في الثالثة ظهرا وصلت الطائرة إلى موسكو ومنها اتجه الجميع إلى الكرملين دون مراسم استقبال رسمية، وهناك بدأت المباحثات، التي يتطلب الأمر وقتا وجهدا كبيرين لوصف ما جرى خلالها. باختصار، كان السادات منحرف المزاج. لم يكن يستجيب لأي نوع من الدعابة. كان سريع الانفعال لأتفه سبب. لم يكن هناك شيء صالح يقال حول عزمه التمسك بشعاره حول كون عام 1971م سيكون عام «الحسم» في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، وعموما عما تعنيه تحديدا عبارة «عام الحسم» هذه. راح يتحدث عن استحالة تحمل الوضع، وطلب إمداده بأحدث الأسلحة لشن ضربات في عمق إسرائيل، ومع هذا لم تكن لديه أي خطط جادة في هذا الصدد. لم يكن لديه سوى التأكيد على أن أي خطط عسكرية هي أمر سهل ما دام قد تم اتخاذ «القرار السياسي»، وهلم جرا. وقد كان على القادة السوفييت أن يديروا الحوار بحذر بالغ والتوجه بدفته نحو الجانب العملي.
وفي النهاية بدا أن الأمر قد تم حسمه. وافق الجانب السوفييتي على إرسال قاذفات تو-16 إلى مصر بأطقم سوفييتية، على أن تكون، بطبيعة الحال، بقيادة سوفييتية. وهذا الشرط، الذي هو منطقي بكل المقاييس، أثار ثورة غضب عارمة لدى السادات لسبب ما، وليرفض بشكل قاطع قبول هذه القاذفات. وقد حاولوا أن يشرحوا له أن كل العسكريين السوفييت في مصر يعملون تحت القيادة السوفييتية وليسوا جنودا مصريين، كما أنهم ليسوا مرتزقة أو متطوعين. لكن السادات سد أذنيه عن كل ذلك، وأعلن أنه سيعود على الفور من الكرملين إلى القاهرة مباشرة، وأنه يرفض قبول الدعوة على طعام الغداء الودي، وسوف يتناول طعامه في الطائرة، وهلم جرا. كان يعلن بشكل واضح عن إحساسه بالإهانة، وهي شيء، أقولها بصراحة، لا مبرر له، وأمر لم يفهم سره أغلبية الحضور. عض السادات غليونه، وبدا أنهم نجحوا على أية حال في إقناعه بالكاد بتناول طعام الغداء بصحبة القادة السوفييت. وقد لطف الطعام بعض الشيء من مزاجه، ولكن ظاهريا فحسب. راح مراد غالب السفير المصري، الذي كان يجلس إلى جواري، يضرب كفا بكف ويسأل: «فلاديمير! ما الذي يحدث؟ وما الذي أغاظه؟ كيف يمكن التصرف على هذا النحو؟» لقد رأى غالب في حياته الكثير، ولكنه لم ير مثل ذلك.
وبالفعل اضطررنا للسفر من الكرملين مباشرة بالفعل عائدين إلى القاهرة. وبعد الفضيحة التي أثرتها ضد أيروفلوت لسوء إعدادها للطعام في الرحلة من القاهرة إلى موسكو، تم إعداد كل شيء إبان رحلة العودة على أعلى مستوى. وبالطبع فقد كنت قد قررت أن أحاول استيضاح ولو قدر ضئيل من الأسباب التي دفعت السادات إلى أن يستشيط غضبا، وما الذي جعله يفسد الخطط الممتازة بالنسبة له لتنتهي المباحثات على هذا النحو وقد كانت مبشرة له.
ما إن دخل السادات إلى صالون الطائرة حتى عاد إلى طبيعته. بعدها اقترب مني كل من شعراوي جمعة ومحمد فوزي وراحا من جديد يتأكدان ما إذا كان السادات قد رفض بالفعل قبول قاذفات القنابل، وعلى الرغم من أن كليهما ألحا أمامي على ضرورة إرسال الاتحاد السوفييتي للقاذفات، فقد حاولا تصوير الأمر كما لو أنه قد انتهى بالاتفاق على إرسالها. كنت مضطرا أن أبدد آمالهما وأن أذكرهما أن الرئيس لن يقبل القاذفات كما أعلن ذلك بنفسه على نحو قاطع.
بعد برهة من الوقت دعا السادات الجميع إليه في صالون الطائرة لكي نتناول معا طعام العشاء. كانت لديه، كما كانت لدي، الرغبة في التحدث من أجل أن يتضح الموقف بعض الشيء. ولما كان الموقف يسوده التوتر فقد اقترحت أن نشرب بعض الفودكا حتى نضفي بعضا من الانتعاش بطبيعة الحال.
بعد طعام طيب صاحبه بعض الخمر نجحنا في إدارة حديث تطرقنا فيه إلى نتائج الزيارة. وهنا عاد السادات من جديد ليؤكد أنه لن يتحول عن رأيه، ولن يوافق إطلاقا على وجود عسكريين سوفييت في مصر لا ينصاعون له، وإذا كان ناصر قد قبل ذلك سابقا، فإن ذلك كان صفحة من الماضي وطويت.
وبعد أن شرب كمية غير قليلة التفت إلي فجأة قائلا كلاما منقطع الصلة بحديثنا، قائلا: «لقد ذهبت إليهم! ذهبت بوصفي رئيسا! ما زلت أذكر جيدا كيف كنت بصحبة ناصر ذات مرة في موسكو، وكنت أشغل آنذاك منصب نائب الرئيس. آنذاك وعلى مائدة الإفطار في الكرملين بدأ زعماؤكم يسألون ناصرا على نحو استعراضي عن الشخص الثاني بعد الرئيس في مصر، وكنت أجلس في هذه اللحظة إلى جانب الرئيس، ولم يستطيعوا معرفة أنني أنا الشخص الثاني. والآن ذهبت إليهم باعتباري الشخص الأول، باعتباري الرئيس!» كم من الإحساس بالضيم في هذه الكلمات! لقد انطلقت الكلمات من أعماقه، الكلمات التي كان يشعر أنه لا بد أن يخبرني بها. ها هو يعلن انتصاره بعد أن أصبح رئيسا، كما يعلن كراهيته أيضا للزعماء السوفييت، ويرد لهم ما توهم آنذاك أنها إهانة اتخذها ذريعة لما فعله إبان المباحثات.
Page inconnue