Égypte de Nasser à la guerre d'octobre
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
هكذا بدأت اتصالاتي بالسادات. جدير بالذكر أن الأمر لم يقتصر على مجرد لقاء واحد، وإنما تجاوزه إلى ما لا يقل عن مائتي لقاء بالمعنى الحرفي للكلمة، آنذاك لم يكن السادات يدرك معنى مسألة توريد السلاح. كان يطرح نفس السؤال حتى بعد أن كنا قد انتهينا للتو من عقد اتفاقيات جديدة بشأن شتى الموضوعات. أما مسألة توريد السلاح فقد كانت تسير على أفضل ما يمكن.
لقد اختار السادات التسليح موضوعا رئيسيا في مباحثاته مع القادة السوفييت. وكان هذا الموضوع ضروريا له لأنه كان يستطيع دائما أن يعبر من خلاله عن سخطه على الاتحاد السوفييتي، وما دام هناك سخط فإن هذا يعني أن هناك ما يبرر اتخاذه لأي خطوات عدائية تجاه الاتحاد السوفييتي. وما أكثر هذه الخطوات التي اتخذها في هذا الاتجاه.
أما إذا سارت أمور التوريدات العسكرية على خير ما يرام، فإن السادات كان يبتدع على الفور مبررات جديدة. على سبيل المثال، إذا شاع خبر مفاده أن الاتحاد السوفييتي امتلك سلاحا جديدا، فإن السادات سرعان ما يطلب الحصول على هذا السلاح، مقتبسا الخبر المنشور في أي مجلة أجنبية كانت باعتباره مصدرا لمعلوماته، بل حدث أن طلب السادات ذات مرة .. قنبلة ذرية. ويبدو أنه لم يعد هناك ما يطلبه أكثر من ذلك.
كنت في ضيافة السادات في تلك الليلة. استقبلني في قاعة الاستقبال بالدور الثاني، حيث مسكنه الخاص إذا جاز التعبير. وبعد أن تحدثنا في الموضوع الرئيسي، بدأ السادات في الحديث عن زيارته التي قام بها منذ فترة قريبة إلى ليبيا، وراح يتذكر هذا الأثر المنعش الذي «أعاد إليه شبابه» من جراء اللقاءات التي تمت بينه وبين الزعيم الليبي العقيد القذافي وما إلى ذلك. ذكر السادات أن القذافي لديه الكثير من المال، وأن ليبيا دولة غنية ولديها نفط بكميات هائلة، وأنها على استعداد لمساعدة مصر، وهلم جرا. ثم عاد من جديد للحديث عن صفقات السلاح، ثم سألني بشكل غير مباشر على أي نحو يمكن أن يتعامل الاتحاد السوفييتي مع مطلب مصر إمدادها بالتكنولوجيا اللازمة لإنتاج قنبلة ذرية. لم يطلب السادات أن يبيع له السوفييت قنبلة ، على الرغم من أنه كان على استعداد لشرائها لو عرضت عليه، واقتصر الحديث حول نقل بعض التكنولوجيا فحسب، وليس نقلها كاملة، وإنما جزء منها. وافترض السادات أن ينقل الاتحاد السوفييتي لمصر نفس الحجم الذي نقله في حينه للصين، والذي على أساسه استطاعت الصين أن تصنع قنبلتها الذرية. وفي سياق ذلك راح السادات يؤكد - بالطبع - أنه لن يستخدم هذه القنبلة إلا إذا بدأت إسرائيل باستخدام سلاحها الذري أولا. وأضاف أنه وفقا لمعلومات المخابرات المصرية فإن إسرائيل، كما يبدو، تمتلك إمكانات صناعة قنبلتها الذرية، بل إنها تمتلكها بالفعل. بالطبع فقد رفضت طلب السادات على الفور بعد أن أشرت عليه بألا يطرح هذا الموضوع مرة أخرى.
بعد أربع سنوات، عندما زار نيكسون مصر، جرى الإعلان عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية مساعدة مصر في بناء مفاعل ذري ذي قدرة عالية. لم يكن هذا الإعلان بطبيعة الحال سوى خطوة سياسية من جانب نيكسون تهدف إلى مزيد من ربط السادات، الذي كان يحاول باستماتة أن يحصل على قنبلته الذرية، بالولايات المتحدة الأمريكية. كان واضحا للعالم أجمع أن مصر ليست بحاجة إلى هذا المفاعل لأغراض الحصول على الطاقة؛ فطاقة محطة القوى الكهرومائية في أسوان سوف تظل لزمن طويل غير مستخدمة بكاملها. كان السادات يود بالطبع لو أنه «خدع» الأمريكيين وحصل على إمكانية صنع سلاح ذري.
لم يكن السادات يتصور بطبيعة الحال ماذا يعني إنتاج قنبلة ذرية. كان يعلم قليلا للغاية عن أية عمليات إنتاج على وجه العموم. وإذا كان دخول معظم العرب فجأة إلى قرن تكنولوجي جديد يثير لديهم نوعا من الصدمة النفسية، فإن ذلك يصدق أيضا بحق على علاقة السادات بهذا العصر.
لقد جرى التعامل في بلادنا مع التصنيع واستخدام المعدات عبر معاناة ومعايشة طويلة إذا جاز التعبير؛ ولذلك فقد تم استيعابها على نحو صحيح. أما بالنسبة للعرب الذين ظلوا في مستوى منخفض من التطور الثقافي، فقد انهالت على رءوسهم فجأة التقنيات والمعدات الحديثة. ولم يكن باستطاعتهم الاعتياد عليها وفهمها، لماذا وكيف؟ فمعظم السائقين في مصر لا يستطيعون إصلاح الأعطال، كل ما يستطيعون فعله هو الضغط على البدلات فحسب. وهم يستخفون بالآلات استخفافهم بالبشر والحمير. فإذا تعطل شيء في المعدة يرجعونه إلى إرادة الله: «الله أعطى، الله أخذ.» يمكنهم التخلص من هذه المعدة بدلا من البحث في أسباب تعطلها ثم إصلاحها. وفي الجيش - على سبيل المثال - كان هذا الأمر مصيبة حقيقية، كم من الجهد بذله مستشارونا ليعلموا العرب التعامل مع المعدات ويغرسوا فيهم الخبرات الضرورية ل «ثقافة» التعامل مع الآلة. وكما يتعلم الأطفال تنظيف أسنانهم بانتظام، كان البعض يرى أنه يمكن العيش دون تنظيف الأسنان. وفي هذا السياق يمكن أن نحكي هذه الحكاية المعبرة لكي نضع تصورا عن السادات، وهي تتعلق بإنتاج الطائرات في مصر. آنذاك تولى الألمان الغربيون مهمة بناء مصنع لتجميع الطائرات، فأحضروا عددا من المعدات، وأغرقوا المصريين بمختلف الوعود البراقة، وقاموا بتجميع طائرة أو اثنتين، وانتهى الأمر عند ذلك؛ ففي مصر لا توجد قاعدة للمواد الخام لإنتاج مختلف أنواع المعادن المطلوبة للطائرات، كما لا توجد صناعات كيميائية متطورة وأخرى لإنتاج الأجهزة وغيرها، وغياب كثير جدا من المجالات الضرورية للغاية لكي يكون لديك صناعة طائرات خاصة بك. ولما كان السادات دائم التعبير عن سخطه على حالة توريد المعدات العسكرية من الاتحاد السوفييتي، فقد أوحى له بعضهم بفكرة التخلص من التبعية الأجنبية وامتلاك مصنع خاص لإنتاج الطائرات على بقايا المصنع الذي لم يكتمل بناؤه. لم يكن هناك بطبيعة الحال سوى الاتحاد السوفييتي هو من باستطاعته مساعدة مصر في هذا الأمر، سواء لأسباب سياسية، أو لأسباب اقتصادية؛ ومن ثم فقد لجأ السادات إلينا. لقد كان الأمر بالغ الصعوبة، وخاصة أن عددا من المجموعات المؤهلة من الخبراء السوفييت قام بدراسة المسألة بدقة على الطبيعة وأعد المعلومات الضرورية والبراهين من أجل اتخاذ القرار المناسب. كان الأمر يتطلب بالطبع مزيدا من الوقت، لكن السادات أعرب عن استيائه البالغ من عمل الخبراء السوفييت، دون أن يفهم لماذا يعملون على هذا النحو من البطء. كانت إحدى حججه المفضلة عندما يشتكي إلي هي: «لقد قام الاتحاد السوفييتي إبان الحرب العالمية الثانية بتطوير إنتاج الطائرات في العراء تماما - في حقل - خلال بضعة أسابيع. لماذا لا تستطيعون ليس فقط إقامة، وإنما حتى دراسة موضوع إنتاج طائرات خلال أسبوع أو اثنين.» وعندما كنت أشرح له ما يتعلق بمثل هذا العمل من ظروف، وأن من الضروري دراسة الأمر حتى قبل وضع تصور عن الإمكانات، كان السادات يقاطعني نافد الصبر ليقول: «لا، الأمر يتوقف على اتخاذ قرار سياسي، لو أنكم اتخذتم هذا القرار، لقمتم بإنتاج الطائرات هنا.» ببساطة، كان السادات لا يثق في أن هذه الأمور غاية في التعقيد، وأن أي إنتاج جديد يتطلب، حتى في الاتحاد السوفييتي نفسه، جهودا ضخمة، على الرغم من أن لدينا عمليا كل شيء لازم لذلك؛ قاعدة للمواد الخام وصناعة جبارة، وكذلك، وهو أمر على قدر كبير من الأهمية، كوادر جيدة الإعداد، وهو ما لا تمتلك مصر منه شيئا في الواقع.
وفي هذا السياق، طلب السادات الإعداد لإنتاج ذلك الطراز من الطائرات التي كان الاتحاد السوفييتي قد انتهى من استيعابها لتوه، وهي طائرات الميج-23! وقد رد السوفييت على طلبه بأن استيعاب إنتاج الطائرة الميج-21 قد تطلب من الهند على سبيل المثال سبع سنوات. على أن السادات أصر على طلبه، فضلا عن أن عددا من «مستشاريه»، الخبراء على شاكلته في المعدات والاقتصاد، عبئوه ضدنا، أما الإنجليز والأمريكيون اليقظون فقد أوعزوا له بفكرة مفادها أنه يمكن إنتاج هذه الطائرات في مصر بسرعة وبتكاليف غير باهظة نسبيا، بل إنهم دفعوه إلى زيارة المصنع، حيث عرضوا عليه الطائرة التي لم يتم استكمالها، والتي زعموا أنها تستطيع الطيران بضعف سرعة الصوت. بعدها قال السادات لي: «ألم أقل لك إن باستطاعتنا بناء طائرات بهذه السرعة، ولماذا لا يمكننا أن ننتج بمساعدة الاتحاد السوفييتي طائرات يمكنها الطيران أسرع ضعفين أو ثلاثة؟ الأمر يتوقف على السياسة، أنتم لا تريدون مساعدتنا مساعدة حقيقية، دائما ما تكتفون بإمدادنا بشحنات شحيحة. تريدون أن نظل دائما أدنى من إسرائيل بدرجة ... وهلم جرا.»
عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي اجتماعا مهما شارك فيه عدد من المصممين والمنتجين البارزين، وكنت من بين الحضور أيضا. وفي هذا الاجتماع تم اتخاذ قرار تقديم مساعدة لإقامة صناعة الطائرات مع إعطاء قرض وتدريب الكوادر وما إلى ذلك. وفي هذا الصدد يستطيع المصنع البدء بجمع الطائرات فقط من الأجزاء التي يتم جلبها من الاتحاد السوفييتي. وقد تم إعداد خطة شديدة الصعوبة بالنسبة لنا وضعت في الاعتبار إنتاج أول طائرات مجمعة في مصر من طراز ميج-21 خلال عام (!) من بدء العمل.
وعندما أبلغنا السادات بذلك رفض ورأى أن هذا الطراز لا يناسبه لأنه أصبح قديما، كما لم يعجبه زمن الإنتاج؛ لأن الإنجليز وعدوه ببدء إنتاج طائراتهم خلال ستة أشهر! لم يوافق السادات على مقترحنا، وبالطبع لم تكن هناك إمكانية لقبوله مقترحاتنا الأخرى، ومن ثم ظل المصنع عاطلا عن العمل. ولو أن السادات وافق على اقتراحنا؛ لاستطاعت مصر بحلول حرب أكتوبر 1973م - بعد عامين - امتلاك قاذفاتها الخاصة من طراز ميج-21، ولوضعت أساسا لصناعة حديثة للطائرات، ولأصبح بمقدور هذا المصنع التفكير في الانتقال إلى طراز آخر من الطائرات.
Page inconnue