Égypte de Nasser à la guerre d'octobre
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
وفي اليوم التالي أبلغني السادات أن كتيبة «الصاعقة» لن تذهب إلى أي مكان، وأنها ستعود إلى ثكناتها في وقت متأخر مساء.
على أن قوة مناهضة للانقلاب نجحت بمساندة صريحة - كما يزعمون - من العاملين المصريين في المدرسة العسكرية الموجودة في الخرطوم في التغلب على هذا الانقلاب. وبعد يومين اتفق أن التقيت من جديد في حديث مع السادات. كان واضحا أنه في حالة من القلق والإثارة الشديدين، الأمر الذي يؤكده أيضا أنه أمر بإحضار فودكا له. جدير بالذكر أن السادات لسبب ما كان يعتبرني مما لا يعاقرون الخمر مطلقا، وكان يأسف لذلك. راح السادات يحتسي الفودكا وحده دون شعور بالحرج على الرغم من حرارة الجو. كانت درجة حرارة الجو في ظل هذه الشجرة الضخمة، حيث جلسنا، لا تقل عن ثلاثين درجة مئوية. قدموا له زجاجة فودكا وعلبة سردين مفتوحة دون شوكة أو مناديل ورقية. قال عبارته المعتادة التي أعرب فيها عن أسفه أن السفير لا يشرب، ثم شرب كأسا ك «بداية». شعرت بالحرج فطلبت أن يحضروا لي ولو بعضا من الويسكي مع الثلج. فرح السادات على الرغم من أنهم لم يجدوا ويسكي في المنزل. بحثوا هنا وهناك حتى أحضروا زجاجة تبقى بقاعها بعض من الويسكي. شعرت برجفة في أعماقي، ولكن بات علي الآن أن أشربها.
كان السادات طوال الحديث يضع زجاجة الفودكا بالقرب منه، بينما رحت أرتشف الويسكي المقزز. دق جرس التليفون الموضوع جانبا. أنصت السادات ثم قال وقد لمعت عيناه: «لقد أذاعوا نبأ مصرع وفد عراقي خاص كان في طريقه إلى السودان. انفجرت طائرتهم فوق العربية السعودية! لقد علمت بهذا الخبر من قبل!» وعندما لمح الحيرة في عيني بدأ في شرح نظريته القديمة التي تقول: إن «هذه المنطقة»، ويعني بها أفريقيا والشرق الأوسط، «لم تنضج بعد للماركسية»، وأنتم «الماركسيون، تقعون في خطأ وأنتم تحاولون القفز على درجات السلم. أنتم تحاولون أن تزرعوا الماركسية هناك، حيث لا يمكن أن ترسخ. أما ما يمكن أن يرسخ هنا فهو الإسلام فقط، باعتباره العقيدة الاجتماعية الأعلى، وهو أوسع وأعمق من الاشتراكية. الإسلام يحمل قدرا أعلى من العدالة الاجتماعية، وهلم جرا.» كان منتشيا من أثر الخمر ولكن باتزان، وكان الدخول معه في جدل وخاصة وهو في هذه الحالة أمرا لا طائل من ورائه.
بعد مرور يومين تلقيت تعليمات بضرورة زيارة السادات على وجه السرعة، وأن أطلب منه مساعدته في استخدام تأثيره على النميري لوقف هذا الإرهاب السافر الذي تفشى في السودان، والذي أصبح من ضحاياه ليس فقط الذين شاركوا في الانقلاب، وإنما أيضا كل التقدميين في السودان. وقد وردت على وجه الخصوص أسماء عبد الخالق محجوب زعيم الماركسيين السودانيين، والشفيع أحمد الشيخ رئيس نقابة العمال في السودان، وهو واحد من قيادات الاتحاد العالمي لنقابات العمال والحاصل على جائزة لينين الدولية للسلام؛ وكذلك زوجة الشافعي.
استقبلني السادات على سطح اليخت البحري الفاخر للملك فاروق، وكان راسيا على الشاطئ في إحدى قنوات النيل عند القناطر الخيرية، طرحت على السادات مطلب القيادة السوفييتية، فأبدى ملاحظة تفيد أنه يعرف الشافعي جيدا، وذكر أنه سوف يكون أمرا مخزيا لو لقي حتفه. ثم قال مجددا إن المنطقة لم تنضج بعد لقبول الماركسية، وإن علينا أن ندرك ذلك. تحدث السادات على نحو يبدو من خلاله وكأن الاتحاد السوفييتي كان شريكا في كل الأحداث الدراماتيكية التي وقعت في السودان، بالرغم من أن السادات كان يعلم جيدا أننا لم نشارك فيها. وعدني السادات بالتباحث مع النميري، ونادي علي ياوره وأمره بأن يصله هاتفيا بالخرطوم. تأخر الاتصال طويلا فانطلقت عائدا إلى القاهرة. لدى وصولي إلى السفارة أبلغوني أن وزير الخارجية محمود رياض اتصل وطلب سرعة الاتصال به، وهو ما قمت به على الفور. أخبرني رياض أن يبلغني نيابة عن السادات أن طلبنا جاء متأخرا للغاية، وأن محجوب والشافعي قد أعدما. هل حاول السادات أن يفعل شيئا أم لا، لا أعرف، على الرغم من أن هيكل أكد لي فيما بعد أنه تحدث مع نميري بنفسه بناء على طلب السادات.
كانت علاقة السادات أيضا بالمنظمة السياسية الوحيدة في البلاد؛ الاتحاد الاشتراكي العربي، والتي كان على رأسها، علاقة من أجل المظهر السياسي للسادات فقط. وقد ظل الاتحاد الاشتراكي العربي منظمة لا شكل لها على الإطلاق، ويمكن القول إنها كانت منظمة سياسية محلية.
كان الفرق بين علاقة ناصر والسادات بالاتحاد الاشتراكي العربي يتمثل في أن ناصرا أدرك ضرورة وجود منظمة في البلاد تضم أصحاب الفكر الواحد، وحزب يمكن أن يكون حاضنا لفكرة ثورة التحرر الوطني، كما يمكن أن يكون منظما للجماهير تحت شعار القومية التقدمية، وحاملا للأفكار القومية إلى الجماهير. كان الاتحاد الاشتراكي العربي بذرة لهذا الحزب الذي يمكن أن ينمو من خلاله التنظيم الذي أطلق عليه ناصر اسم «طليعة الاشتراكيين».
كان السادات يشعر أن الاتحاد الاشتراكي العربي لن يمثل له نقطة ارتكاز كما أراد ناصر لنفسه، وإنما سيكون منافسا له ومراقبا لتصرفاته باعتباره رئيسا وقائدا لمصر. في الاتحاد الاشتراكي العربي سيصبح بشكل أو بآخر «على نفس الدرجة» مع باقي رجال الدولة، وهو ما لم يكن السادات ليسمح به. كان السادات ينظر دائما بريبة تجاه أي نشاط اجتماعي وأيديولوجي. إنه «رجل الأفعال»، أما الأيديولوجيا فهي للآخرين والمنظمات كذلك.
طوال شهور وجوده في منصب الرئيس زاد إيمان السادات بأن الاتحاد الاشتراكي العربي بالنسبة له هو مجرد عبء. صحيح أن اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي قد عقدت اجتماعها تحت رئاسته، لكن الخطباء فيها تباروا في انتقاد تصرفاته وتحدثوا عن رفضهم لقراراته التي اتخذها، فهل يمكن أن يتكرر ذلك ثانية؟ نفس الشيء تقريبا حدث في اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي، وإن جاء النقد فيها أقل حدة. على العموم فقد بدا واضحا أن باستطاعة اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وكل المحافظات والمدن أن يتحولوا بسهولة إلى «مراكز قوى» تقف في مواجهته هو رئيس البلاد. ليس عبثا أن «المتآمرين» الذين استطاع أن يضعهم في السجون لمدة طويلة كانوا يتخذون الاتحاد الاشتراكي العربي ومنظماته بمثابة نقطة ارتكاز قوية لهم.
على أن رفض الاتحاد الاشتراكي العربي رفضا تاما كان أمرا مستحيلا، وهو ما كان السادات يدركه جيدا؛ فمصر سوف تصبح دولة متخلفة أمام العالم أجمع، عندئذ ليبق الاتحاد الاشتراكي العربي قائما، أما اللجنة التنفيذية العليا فلا ضرورة لها. سوف يجري حل هذه اللجنة. كان ناصر يريد أن يحول اللجنة التنفيذية العليا في عهده إلى مكتب سياسي، أن يعطيه وظيفة مماثلة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، الذي كان معجبا بعمله.
Page inconnue