Égypte de Nasser à la guerre d'octobre
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
ليست بنيتنا أن نستمر في الحديث عن «قائمة الوظائف» التي شغلها السادات؛ فالحياة قد كشفت لنا بعد ذلك أنه كان أحيانا ما يعطي جزءا من سلطاته (من أجل مصالحه الشخصية) لآخرين. يعطيها ليضع هؤلاء الآخرين تحت قبضته، حيث يمكن أن يسقط آثامه في الحكم على رءوسهم. على هذا النحو كان يتصرف؛ قام بترقية الذين ساعدوه لأسباب مختلفة، وأحيانا لدوافع وطنية شريفة، ثم أقالهم بعد ذلك؛ إذ لم يكن ليسمح بأن تكون هناك فرصة أمام أحد ليكتسب شعبية في بلاد لها رئيس قادر مهيمن. وكثيرا ما كان يقيل هذا الشخص أو ذاك ليلقي على رأسه بتبعات كل الأخطاء الممكنة وغير الممكنة. وكثيرا ما دفع للأمام بأناس عديمي الموهبة، مفترضا أن استخدام رجل عديم الكفاءة أفضل من رجل ذكي متمرد. وعندما تنهار الأمور يمكن فصل عديم الموهبة غير مأسوف عليه، بل ويمكن أيضا إلصاق كل النقائص الممكنة به.
إن القصة الموجزة لانطلاق السادات إلى السلطة كانت أمرا ضروريا لكي نفهم على نحو أفضل هذه الشخصية المتعددة الأوجه؛ لأنه لا شيء يمكن أن يحدد ملامح أي شخصية سوى ما تقوم به من أعمال.
2
على أي نحو يبدو الوجه السياسي للسادات؟ من الذين يمثلهم؟ من الذين يعكس مصالحهم؟ من يقف وراءه؟ بالطبع يمكن طرح العديد من مثل هذه الأسئلة وكلها مشروعة تماما، على الرغم من أن إعطاء إجابة واحدة عليها أمر بالغ الصعوبة.
فإذا تحدثنا بشيء من التعميم، ومن ثم إمكانية وقوع أخطاء في هذا الجانب أو ذاك، فإنه يمكن تحديد الوجه السياسي للسادات بوصفه ممثلا لمصالح هذا القطاع من البرجوازية الوطنية التي لا تحوز ممتلكات كبيرة، ولكنها تمتلك شيئا ما على أية حال؛ برجوازية عرفت مذاق الملكية الخاصة، وهي ترى أن علاقات الملكية الخاصة تعني السعي نحو الثراء المالي وليس الروحاني بالضرورة.
هذا القطاع من البرجوازية، سواء أكان صغيرا أم متوسطا، يتصف بضيق الأفق؛ فهو ينظر بحسد إلى جوانب القوة في الدول الغربية، وهو معاد بطبيعته للمثل الاشتراكية، حيث إن المبادئ الاشتراكية تضع حدا واضحا بين طبقات المجتمع، وبالنسبة لهؤلاء البرجوازيين الصغار، مثل السادات، لا توجد طبقات، وعلى أية حال ، فهي غير موجودة في مصر. ربما توجد في مكان ما هناك، حيث توجد الماركسية، ولكن في مصر؟ أين هي الطبقات في مصر؟ هناك مصريون فقط، بل ولا يوجد عرب، مصريون يتميزون بتعدد اللهجات.
كان ناصر يتحدث بإصرار عن شعبه باعتباره شعبا عربيا، أما السادات فكان يشدد في حديثه على المصريين. في عهد ناصر كانت الدولة تسمى الجمهورية العربية المتحدة، وفي عهد السادات أصبحت تسمى جمهورية مصر العربية. في عهد ناصر كان القوميون يسعون «لإثبات » أن العرب جاءوا بثقافتهم إلى مصر، وفي عهد السادات راحوا يثبتون أن الثقافة المصرية كانت حتى لحظة وصول العرب أكثر قوة وعمقا وتطورا، ومن ثم فإن القادمين العرب استوعبوا الثقافة المصرية المحلية.
إن السادات، خصم الرأسمال الضخم والبرجوازية الكبيرة، لا طاقة له من ناحية المبدأ، على مواجهة كل أشكال الملكية الخاصة، التي هي أساس استغلال الإنسان للإنسان؛ لأنه لم يكن ينتمي قط إلى البرجوازيين الكبار، وعلى الرغم من أنه كان يكن لهذه البرجوازية الاحترام في قرارة نفسه و... يخشاها.
نعم يخشاها؛ لأنه كان واثقا أن البرجوازية ليست في حاجة إلى السادات، وأنها ستلقي به في المكان المناسب. إن البرجوازية المصرية بحاجة إلى رجل ذكي مثقف، وإلى زعيم يعرف قضيتها جيدا. والآن؟ الآن سوف يكون عليها أن تتحمله. ليس فقط تتحمله، بل وتساعده وتؤيده. لماذا؟ لأنها ترى السادات، ربما يسير، دون وعي منه، نحو إصلاح سلطة البرجوازية المصرية. وعلى أية حال، فإن مجمل سياساته في الشئون الداخلية والخارجية توفر ظروفا مناسبة في هذا السياق، وهي لا تتعارض مع المصالح الجذرية للبرجوازية المصرية الكبيرة. الأمر الوحيد كيف ينبغي لفت نظره حتى يسرع أكثر للعمل لصالح هذه البرجوازية بالإيقاع الذي تطمح إليه. لكن «الذنب» في ذلك ليس ذنبه؛ لقد مدت الإصلاحات الاجتماعية التي تمت في عهد عبد الناصر جذورا عميقة، ولم يعد الشعب المصري شعبا طيعا لكي ينفذ كل مطالب السادات. لقد ذكرت الاضرابات والمظاهرات الجماهيرية القوية التي قادها العمال بدعم من الحركة الطلابية التقدمية، ذكرته مرارا بضرورة وضع حد لصبره.
كانت النزعة البرجوازية لدى السادات تحمل طابعا ريفيا نتيجة أصوله القروية. وكثيرا ما كان يصور في خطبه العلنية القرية المصرية باعتبارها مثالا لمصر ونموذجا للحياة الريفية الرغدة للمجتمع المصري كله. لم يتحدث السادات مرة واحدة عن أن هذه القرية المصرية تحديدا ذات أوجه متعددة، هو لم ير أن فيها أغنياء وفقراء أصبحوا هكذا تحديدا بسبب الظلم، فهو لم ير الاستغلال في القرية.
Page inconnue