Égypte de Nasser à la guerre d'octobre
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
بعد مرور يوم واحد على مغادرة أندريه جروميكو جينيف، جاءني ستيرنر يحمل دفترا سجل فيه الصيغة الجديدة التي قدمها المصريون ونصها: «لسنا ضد مشاركة الاتحاد السوفييتي.» ثم صاح في عصبية: انظر! إنهم لم يقولوا «نحن مع المشاركة السوفييتية.» كان علي عندئذ أن ألقنه درسا.
سألت مساعد وزير الخارجية المصري محمد رياض عن صحة ما ذكره ستيرنر، فانفجر غاضبا: «الأمريكيون مخادعون، أما ستيرنر فهو رجل مستفز!» في المساء، دعاني فهمي إلى مائدة العشاء مبديا حفاوة مصطنعة، وراح يعاملني بكرم زائد، ثم بدأ يكشف شيئا فشيئا عن أفكاره على نحو أكثر صراحة: إن الاتحاد السوفييتي ليس مضطرا للإصرار على المشاركة في المفاوضات؛ فلن تتم الموافقة على أي من القضايا المطروحة دون موافقته (موافقة فهمي). هذا هو الأمر إذن. وهو نفسه قال لجروميكو بالأمس كلاما منافيا تماما لما يقوله الآن! كان علي عندئذ أن أخبر فهمي بأن لدي قيادتي، وأن لدينا أفكارنا ومفاهيمنا، وأن من المؤسف أن المصريين ينحون منحي مختلفا تماما في كثير من الأمور، التي سبق وأن اتفقنا بشأنها سابقا، وأن هذا المنحى لن يكون في صالح مصر والفلسطينيين والعرب جميعهم.
أكدت الأحداث اللاحقة صدق تقديراتنا؛ فالمباحثات داخل لجنة العمل العسكرية لم تتحرك قيد أنملة، وانتقل المصريون والإسرائيليون والأمريكيون بعيدا عن جينيف، ولم يبق فيها سوى وفدنا.
وقبل مغادرتنا مقر إقامتنا، حضر لزيارتنا الوفد الإسرائيلي برئاسة السفير إيفرون والذي أخبرنا أن اهتمام الإسرائيليين بالمؤتمر كان عظيما منذ اللحظة الأولى لانفتاحه، وأن الجميع في إسرائيل تابعوه باهتمام بالغ على شاشات التليفزيون وقد تأثروا بشدة عندما سمعوا بأنفسهم خطاب وزير الخارجية السوفييتي بعد أن رأوا فيه موقفا عادلا مناهضا للحرب وداعيا لإقامة السلام في المنطقة.
تحدثنا معهم طويلا وبلا كلفة، وحاولنا أن ننقل لهم فكرة ضرورة إقامة سلام حقيقي؛ حيث إن الفرصة مواتية الآن لذلك. أبدى أعضاء الوفد الإسرائيلي موافقتهم، وأكدوا على أنه بدون مشاركة الاتحاد السوفييتي ومساعدته لن تقوم للسلام قائمة في الشرق الأوسط.
وقبيل رحيله أفضى إلي إيفرون بسؤال شخصي حول ما إذا كان المصريون يدركون أن الاتحاد السوفييتي وحده هو الذي أنقذهم من الهزيمة في الأيام الأخيرة من حرب أكتوبر؟
هزني من الأعماق هذا التساؤل، الذي يعني أن الإسرائيليين يقدرون على نحو صحيح الموقف الذي اتخذته بلادنا ودورها الحاسم الذي قامت به في هذه الحرب.
لم يعد بانكر للأسف إلى جينيف في السادس والعشرين من ديسمبر، وإنما عاد .. بعد شهر، في الحادي والعشرين من يناير، وبعد أيام قليلة سافر من جديد معلنا أنه لن يعود قبيل النصف الثاني من فبراير (!) على هذا النحو يفي المسئول الأمريكي بوعده!
فيما بعد وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية «فك الاشتباك» الشهيرة بين القوات، وإنما خارج إطار المؤتمر. كانت هذه بداية الصفقات المنفردة بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. أدارت مصر ظهرها للقضية العربية المشتركة ولحليفها السابق؛ سوريا، ونفضت يديها تماما عن القضية الفلسطينية. أتذكر جيدا البيان الذي نشره الفلسطينيون في الصحف والذي يقول: «إن المصريين يساعدون الولايات المتحدة الأمريكية في التسلل إلى الشرق الأوسط!» ومن جديد يدهشني توارد الخواطر. •••
لقد بدأ تسلسل هذه الأحداث منذ زمن بعيد؛ منذ وفاة ناصر، ومنذ وصول السادات إلى سدة الحكم. بدأت التغيرات الضخمة في الحياة الداخلية؛ الابتعاد عن الناصرية، وفي السياسة الخارجية عقد العلاقات المكثفة سرا مع الولايات المتحدة الأمريكية بعيدا عن شعبه، واتباع منهج الابتعاد عن التعاون مع الاتحاد السوفييتي وغيرها من بلدان المعسكر الاشتراكي والدول التقدمية. لم يتم الإعداد لحرب أكتوبر 1973م باعتبارها خطوة نحو تحرير الأراضي المحتلة وإقامة السلام العادل في الشرق الأوسط، وإنما وسيلة لنفاذ الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى إلى المنطقة، وتحت قناع صناع السلام و«وسطاء الخير». لقد مثلت النوعية الجيدة من الأسلحة والتجهيز العالي للقوات المسلحة المصرية وروحها المعنوية المرتفعة مفاجأة حتى للسادات نفسه، وكادت هذه القوات أن تنزل بإسرائيل هزيمة حقيقية، وهو ما لم يكن «مخططا» له، في جميع الأحوال، من قبل. كانت «السيطرة» على هزيمة الإسرائيليين ضرورية للأمريكيين حتى يظهروا في صورة «المنقذين» لإسرائيل، كما كان من الضروري بالنسبة لهم أيضا أن تقع مصر في وضع حرج حتى يقوم الأمريكيون بدور مماثل معها. وقد حقق تسلل القوات الإسرائيلية الغريب عبر قناة السويس إلى الجانب الأفريقي من مصر لتقف على بعد مائة كيلومتر من القاهرة هذا الهدف المزدوج. لقد كانت الثغرة التي أحدثها الإسرائيليون بمثابة عقاب لمصر للحماس المفرط لقواتها المسلحة، التي قامت على نحو واضح ب «تجاوز تنفيذ»، إذا جاز القول، «مهمتها».
Page inconnue