Égypte de Nasser à la guerre d'octobre
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
بعد يوم من اعتقال «المتآمرين» (وهي الصفة التي أطلقت عليهم رسميا) استقبلني السادات في قصر الطاهرة. كان السادات، خلافا لعبد الناصر، يستقبل السفراء عادة في أماكن متعددة. لم يكن الرئيس الجديد يستقر في مكان أكثر من يوم واحد. كان يستقبلني تارة في بيته في القاهرة، وتارة في قصر الطاهرة، وفي المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية الذي لا يفصل بينه وبين بيتي سوى شارع (كان السادات قد أصدر أمرا بتحويل أحد المتاحف إلى بيت ضمه إلى بيته)، وفي مقراته المختلفة في هليوبوليس وحلوان والإسكندرية والمعمورة وبرج العرب، وفي بيته في قريته في مسقط رأسه، وفي مقر الاتحاد الاشتراكي العربي، بينما لم يكن ناصر يمتلك مسكنا خاصا به. كان يعيش هو وأسرته في بيت متواضع تابع لإحدى الوحدات العسكرية. أما السادات فقد استغل وضعه واشترى بثمن بخس منزلا على شاطئ النيل وأثثه بأثاث فاخر باهظ الثمن ولكنه يفتقد إلى الذوق، ثم أغلق جزءا كبيرا من الكورنيش أمام عبور المواطنين.
لم تكن التفسيرات التي قدمها السادات مقنعة على الإطلاق، وإنما كشفت النقاب أكثر عن نهجه. كان وجهه يبدو شاحبا ضامرا وقد أحاطت عينيه هالات سوداء، وكان العرق يتصبب من وجهه طوال الوقت فلا يكاد يتمكن من تجفيفه بالورق. كان «تبريره» يتلخص في أن علي صبري والقيادات الأخرى «أساءوا إلى هيبة السلطة، وأنهم تدخلوا بشكل سافر في حقوق الرئيس»، وضرب مثالا على ذلك بقيام الاتحاد الاشتراكي العربي بإحباط فكرة إنشاء اتحاد فيدرالي يضم الدول العربية (مصر، سوريا، ليبيا، السودان). هذا كل ما في الأمر! ثم حكى بعد ذلك القصة الوهمية التي دأبت أجهزة الإعلام على إذاعتها عن أن «شابا مجهولا» حضر ذات يوم إلى بيته يحمل أشرطة تسجيل عليها تسجيلات للسادات وأحاديث لشعراوي جمعة مع علي صبري ومحمد فوزي وآخرين. وقد أدرك السادات من هذه التسجيلات مدى الشعور «العدائي» لديهم تجاهه. يقول السادات: «وعندما أردت أن أخاطب الشعب بعد أن قبلت استقالة هذه المجموعة لم يسمحوا لي بدخول مبنى الإذاعة والتليفزيون.» وأكد السادات على أن الأحداث داخل القيادة المصرية لا يجب أن تنعكس بشكل سلبي على العلاقات مع الاتحاد السوفييتي.
كانت هذه إشارة لتهدئة الاتحاد السوفييتي، والهدف هو تقديم الأمر على أن العلاقات مع الاتحاد السوفييتي تسير سيرا حسنا، وهو ما حرصت على إبرازه الصحف الكبرى في اليوم التالي حول مباحثات السادات مع السفير السوفييتي.
وفي محاولة منه لكسب تعاطف الشعب، جرى الترويج لقضية الشرائط باعتبارها واحدة من الجرائم الأساسية «للمتآمرين» الذين قاموا بالتنصت على «الآلاف» من المصريين. وقد بث التليفزيون مشهدا للسادات وبصحبته وزير الداخلية الجديد ممدوح سالم، وقد بدت الجدية على وجهيهما وهما يقفان في فناء وزارة الداخلية وقد راحا يلقيان في النار بصناديق من أشرطة التسجيل. أما المصريون الذين اشتهروا بميلهم للفكاهة فتساءلوا: ولماذا يتم حرق أشرطة تسجيل مستوردة؟ كان من الممكن مسح التسجيلات التي عليها، فضلا عن ذلك فإن هذه الأشرطة تمثل الأدلة المادية «للجرائم» التي ارتكبت.
وحتى انتهى من قصة التنصت، أذكر هنا واقعة نادرا ما تحدث في عالم الدبلوماسية. بعد شهرين من حرق الشرائط التقيت صدفة على أحد الشواطئ في الإسكندرية بالكاتب الصحفي هيكل. وبطبيعة الحال دار الحديث عن الأحداث التي وقعت مؤخرا. لم يكن هيكل متعاطفا مع «المتآمرين»، وكان يرى في تلك الفترة أن السادات يوليه قدرا من الثقة على نحو أو آخر. وذكر لي هيكل أن السادات حدثه عن اتصالاتي ب «المتآمرين»، وكان أكثر ما أثار فضولي هو أن هيكل لم يكمل حديثه في هذا الأمر حتى النهاية. أخبرت هيكل أنني كنت بالفعل ألتقي بهم في إطار أدائي لمهام عملي بطبيعة الحال، وقد كانوا جميعا يشغلون مناصب حكومية رفيعة، بل إن السادات نفسه طلب مني مناقشة أمور معينة معهم، وهو الذي كان يقوم بتكليفهم بالذهاب إلى موسكو للتفاوض حول بعض القضايا المهمة، فما المدهش في الأمر. أضف إلى ذلك أنني كنت دائما أحيط السادات علما بوجه عام بلقاءات العمل التي أعقدها معهم، وكان دائما ما يسارع بالقول بأنه يعلم بذلك. وبالمناسبة، فقد أخبرت هيكل أنني سألت الرئيس في شهري مارس وأبريل، ثم مؤخرا قبل يومين من واقعة إحراق الشرائط عن أكثر المقربين إليه الذين يمكنني التحدث إليهم بصراحة، وكان الرئيس يذكر لي في كل مرة أسماء هذه الشخصيات التي سرعان ما اتهمها بالتآمر، والذين زج بهم خلف القضبان؛ لماذا أوصاني بهذه الأسماء تحديدا؟
تردد هيكل في الحديث ولم يجب، ولكنه في الوقت نفسه قص علي أن السادات سمح له بالاستماع إلى شريط تسجيل لمحادثة تمت بيني وبين سامي شرف في التاسع من مايو 1971م.
راودني الشك في صحة الأمر، لكن هيكل اقترح علي الذهاب إلى مكتبه حتى يسمعني الشريط. رفضت، بطبيعة الحال، لرغبتي في عدم التورط في هذه القصة، حتى إني لم أبد أي اهتمام بها، على الرغم من أنني كنت على ثقة أن ما دار في تلك الأحاديث المسجلة لا يمكن أن يتضمن ما يمكن اعتباره إدانة للسفير السوفييتي. على أية حال، فقد أردت أن أتحقق من هيكل فسألته: وماذا دار من حديث آنذاك؟ - أكد سامي شرف أن تصرفات السادات لم تعد مفهومة، وأنه ماض في طريقه نحو التفاهم مع الأمريكيين، وأنه ليس من المعروف ما الذي سوف يقدم عليه بعد ساعة أو ساعتين. ثم سأل السفير : ما الذي ينبغي علينا عمله معه الآن؟ - حسنا، وماذا كان رد السفير؟
أجاب هيكل ضاحكا: أجاب السفير أن هذه ليست قضيته، السادات رئيسكم وعليكم الالتفاف حول الرئيس حفاظا على وحدة الإدارة داخل القيادة.
لقد ذكر هيكل ما حدث بالفعل.
ثم إذا بهيكل يضيف قائلا: عند هذه الفقرة من التسجيل الذي كان السادات يستمع إليه باهتمام، ضرب كفا بكف على الطريقة العربية بأسف، ثم صاح قائلا: «يا سلام! أفلت السفير وكان على شفا حفرة!» - ماذا تعني كلمة «أفلت» هنا؟ وعلى أي نحو كان علي أن أجيب عن هذا السؤال؟
Page inconnue