Histoire de l'Égypte sous le règne du Khédive Ismaïl Pacha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
ثانيا:
أن معظم أصحابها، إن لم نقل كلهم، كانوا من الأغنياء الجهلاء الذين يرون في عدم مساواتهم بالفلاحين البسطاء، رفعة لشأنهم وإجلالا لقدرهم؛ ويهمهم أن يحافظوا عليها أكثر مما تهمهم مبادئ العدالة والإنصاف؛ وأنه لم يكن في الاستطاعة، والحالة هذه، مساواتهم بالفلاحين، قسرا، إلا بإحداث ثورة قد تتحول من اقتصادية إلى فتنة سيئة العواقب، كانت البلاد في غنى عنها.
ولكن الذي أتعب الفلاحة وأرهقها، هو أن طريقة جباية الأموال ما فتئت، منذ أنشئت حكومات في الشرق، حتى الحلقة التاسعة من القرن التاسع عشر لمصر، آفة من الآفات الكبرى التي بليت بها البلاد؛ وأن المنوط بهم أمر تحصيل الأموال كانوا يسيئون طريقة تحصيلها، ويتجاوزون حد المعقول في المواعيد التي يطالبون الفلاحين بدفعها فيها: إما لأن عين صاحب الأمر الأعلى لا تراهم، لانشغاله في تحقيق أمنيات نفسه السامية؛ وإما لأنهم، بالنسبة لدنوهم من قلبه، كانوا متأكدين من أنه لا يشك في إخلاصهم وأمانتهم.
20
فمن المشهور، مثلا، عن إسماعيل صديق باشا، المعروف «بالمفتش» و«الصغير»، وزير المالية، أنه كان يتبجح علانية، ويفتخر بأنه يحصل عادة من الفلاحة المصرية مليونين من الجنيهات سنويا أكثر من الظاهر في حساباته.
ومن المعلوم أيضا أن المديرين والحكام الآخرين المتولين شأن التحصيل - لا سيما في المديريات البعيدة عن العاصمة - كانوا يغتنمونها فرصة ليبتزوا من الفلاح التعيس، بوسيلة الكرباج، ما يزيدون به رخاءهم وثروتهم؛ وأنهم لكي يتمكنوا من حمل الصيارفة على الثبات في تحصيل ما يستطيعون تحصيله من الفلاح، تحت أسماء متنوعة، كانوا يأنفون من تعريفة المواعيد المقررة لدفع الأموال؛ بالرغم من أن الإرادة العليا، وقرارات مجلس شورى النواب جعلتها في الأوقات المناسبة؛ أي: بعيد جناء كل محصول هام.
وأما أن (إسماعيل) نفسه كان يرغب في ألا يصاب المزارع المصري بضيم؛ وأنه كان يفضل مصلحة الفلاحين من رعاياه على مصلحته الخصوصية ذاتها، فذلك واضح:
أولا:
من أنه - لما وضعت الحرب الأهلية الأمريكية أوزارها في أوائل سنة 1865؛ وتسبب عن انتهائها غير المنتظر نزول أسعار القطن في بورصة ليڨربول نزولا فاحشا وإصابة سوق الإسكندرية بخسائر جسيمة؛ وارتجاج الأرياف المصرية ارتجاجا سيئا فائقا؛ لأن المزارعين، ارتكانا على أن أثمان القطن ستستمر، حتما، غالية وأسعاره متمسكة، كانوا قد توسعوا في زراعته توسعا كبيرا، واستلفوا، لذلك، أموالا طائلة برهون عقارية، فأدى سقوط أسعاره فجأة إلى اختلال التوازن بين قيمة الأقراض وقيمات ضمانات سدادها العقارية، اختلالا نجمت عنه توقفات عديدة عن الدفع، أوجبت شكاوى ودعاوى، هددت بيوتا كثيرة بالخراب والمحق - تداخل (إسماعيل) في الأمر وتلافاه، فأصدر، وهو في ڨيشي يتطبب بمياهها المعدنية، أمره إلى ماليته، بفحص طلبات دائني المزارعين المصريين، وتحقيقها، وتسديد ما يثبت صحته منها، مقابل إصدار أذونات بالمبالغ المدفوعة تدعى «أذونات القرى»، يسدد أصحاب الأملاك المدينون قيماتها إلى المالية على ثمانية أقساط، ابتداء من سنة 1869؛ أي: بعد الأزمة بأربع سنوات، فصدعت المالية بالأمر؛ وسددت من ديون المزارعين المصريين ما أصدرت به أذونات قيمتها خمسة وثلاثون مليونا من الفرنكات.
21
Page inconnue