406

Histoire de l'Égypte sous le règne du Khédive Ismaïl Pacha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

ولكي يضمن أن يكون عمل ذلك البنك نظاميا مرتبا، وتقام الثقة به على أسس متينة، فإن الدول الثلاث ذات المصالح الكبرى في القطر، وأعني بهن فرنسا وإنجلترا وإيطاليا، تعين ثلاثة مندوبين غربيين يختارهم الخديو، فيراقبون الأعمال، ويسهرون على أن لا تحول الإيرادات الخاصة بخدمة الدين عن الغرض الذي جعلت لأجله.

وبينما المسيو پاستري يتبع مجرى مخابراته في باريس، كان المستر كيڨ قد فرغ من العمل الذي انتدب لأجله، وبعد أن رفع التقرير الذي قلنا عنه، أقلع إلى برندزي، وقد تلاشت عند مؤخر السفينة التي أقلته جميع الأحلام والأماني التي أثارها مقدمه في القلوب والعقول، وتغذت هذه القلوب والعقول بها طوال مدة إقامته.

فازداد القلق والاضطراب، وكثر الأرق في الأوساط المالية، كلما أدنى تصرم أيام فبراير شهر مارس ذا الاستحقاقات المخيفة، وتناول المعية الخديوية ذاتها.

فأخذ الوزير إسماعيل صديق باشا، وقد كثر حوله ضرب الأخماس للأسداس يتفنن، ويجتهد، ويبذل وسعه، ويستنبط الحيلة بعد الحيلة لإخراج النقود من كل خزنة يظن أو يبلغه أنها نائمة فيها ، ومن أيدي الماليين الزائدة الفطنة فيهم على الطمع، حتى اهتدى في نهاية أمره إلى طريقة إصدار أذونات على بياض وهي أذونات من نوع خاص تستخرج من سجلات ذات قطع متسلسل خاص، وذات حساب خاص بوزارة المالية، وشرع - مثلا - مقابل مائة ألف جنيه تدفع إليه نقدا، على أن يسددها بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر بفوائد 20٪ أو أكثر سنويا، يعطي أذونات بقيمة مائتي ألف جنيه وثلاثمائة ألف جنيه وأربعمائة ألف جنيه ضمانة للسداد.

ولما كانت الفوائد الجسيمة الموعود بها، على هذه الطريقة، من شأنها إثارة مطامع الجشعين، أقبل كثيرون على هذا الفخ الجديد، وسقطوا فيه، ولات حين مندم!

فتمكن الوزير بهذه الوسائل من دفع استحقاق أول مارس في حينه، ولم تكن على الدفع شية سوى أنه لم يكن كله ذهبا، واضطر حاملو الأسهم إلى استلام من 10 إلى 12٪، من الواجب لهم، ريالات مجرية فضية عليها صورة الإمبراطورة ماريا تريزا.

وتمكن كذلك من دفع استحقاقات 10 مارس و20 مارس بواسطة تجديدات قبلت بعض المصارف أن تجريها له مقابل إعطائه لها ضمانة للسداد أذونات على بياض، قيمة كل منها ضعفا قيمة السند المجدد، بل ثلاثة أضعافه أحيانا.

وتمادى الوزير في أمر إصدار تلك الأذونات على بياض، والتعامل بها إلى حد رأى نوبار باشا معه أن إسماعيل صديق باشا عامل على حفر فوهة بركان، في الحقيقة، تحت قواعد الحكومة المصرية، فسافر إلى أوروبا في 21 مارس بدون إخطار أو إشعار أحد.

ولما كان الملأ الأجنبي ينظر إليه، ويعتبره بطل المقاومة البادية حول العرش ضد الإجراءات المصبوغة بصبغة اليأس وقلة الذمة، التي كان يجريها زميله إسماعيل صديق باشا، وكان يعتقد فيه، وحده، الكفاءة والحكمة اللازمتين للخروج من تلك الأزمة الحادة، بدون إلقاء الشرف المصري في مهاو سحيقة - وليس من داع هنا للبحث في ما إذا كانت نظرية الملأ الأجنبي، وآراؤه فيه صائبة أم مخطئة - فإن سفره الفجائي أبلغ الاضطراب والقلق أقصاهما، وعده الناس إنذارا بأن السقطة باتت قريبة لا مفر منها، لا سيما أن الأنباء عن تأسيس البنك الأهلي، الذي كان المسيو پاستري يتخابر في أمره، انقطعت بالمرة.

ولكن الحكومة المصرية رأت أن ترفع ثقة النفوس قليلا، وتقوي آمال القلوب، فأشاعت أنها اتفقت مع الحزب الفرنساوي على استبدال ذلك البنك الأهلي بصندوق استهلاك تدفع الخزينة إليه سنويا المبالغ اللازمة لدفع فوائد الدين المصري واستهلاكه. والمقصود بالدين المصري أقراض سنة 1862 وسنة 1864 وسنة 1866 وسنة 1867 وسنة 1868 وسنة 1873، والدين السائر، والقسط السنوي المطلوب للحكومة البريطانية بصفة فوائد على ال 176000 سهم من أسهم القنال التي اشترتها، والجزية الواجب دفعها سنويا إلى الأستانة.

Page inconnue