345

Histoire de l'Égypte sous le règne du Khédive Ismaïl Pacha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

من المجهود وتفتق الذهن، والتفنن في حمل الفلاحين على بيع أطيانهم ما جعل خمس أطيان القطر الجيدة ملكا له، إذا بنبأ وجفت له القلوب طيره البرق إلى أنحاء العالم بأسره، ووقع من مصر - على الأخص - موقع السوء الذي تتطير له الأرواح، ألا وهو نبأ ظهور الكوليرا في مكة المكرمة.

وإنما تطيرت الأرواح لأن الكوليرا - الوباء الفظيع المهلك - كان قد زار مصر في الماضي زيارات متعددة زارها في يوليه سنة 1831، وفي يونية سنة 1848، وفي يوليه سنة 1850 وفي يونية سنة 1855، وترك فيها عقب كل زيارة من الآثار المخيفة والدمار ما كان جديرا بأن يجعل المخيلات ترتعد، والقلوب تخور لذكره.

ففي سنة 1831 - ولم يكن يعرف قبلها، وقد دار فيها المعمور كله، وفتك به فتكا ذريعا، وافترس ضمن ضحاياه كازمير پيرييه، كبير وزراء لويس فيليب، ملك الفرنساويين، ووصف أوچين سي في «اليهودي التائه»، روايته الكبرى، مقدار اتساع بطش ذلك الداء الرهيب وصفا مرعبا - فإن (محمد علي) - وقد أقلقته شدة وطأة الوباء، وأخافته بالأخص على تجهيزاته وتعبيئاته الحربية - أقبل يبحث في طرق لمقاومته وإبادته.

فأشار عليه المسيو ميمو قنصل فرنسا العام، بإنشاء إدارة صحية تنظر في ذلك، وتقوم بشئونه، فكلف (محمد علي) بالمهمة جمهورا من الأطباء الأجانب، فقاموا بها، وكونوا الإدارة المطلوبة في سنة 1831 عينها، ودعوها «الانتندانس سانيتير»، فألحقت بالإدارة المحلية، وجعلت تحت رياستها، وعهد إلى هذه الإدارة تنفيذ قراراتها.

وكان رئيس «الانتندانس» يعرض على الأمير أسماء الأطباء والعمال المطلوب تعيينهم فيها، فتصدر الإدارة السنية بتعيينهم، ويناط بكل منهم عمل يرفع تقاريره عنه إلى رئيسه مباشرة، وهذا يخبر بما يرى من كان أعلى منه، وهكذا بالتدريج الرسمي، حتى تبلغ المكاتبات الرئيس الأسمى.

وأقبل القناصل يعضدون تلك الهيئة الصحية فجعل كل منهم مندوبا لديها، يحضر اجتماعات مجلسها، نائبا عن جنسيته، ويتداول مع أعضاء ذلك المجلس في الإجراءات الواجب اتخاذها، على أن القرارات كانت بأغلبية الأصوات.

وامتازت الحكومة الفرنساوية رغبة منها في المحافظة على سلامة سواحلها التي على البحر الأبيض المتوسط من أن تتطرق إليها الأوبئة، بإيفاد أطباء خصوصيين من لدنها إلى الأسكلة الشرقية، لا سيما بمصر، ليراقبوا فيها الأحوال الصحية، ويخابروا وزير التجارة الفرنساوية رأسا بكل ما يرونه ذا أهمية من الطوارئ، فلم يعد يسوغ لأي مركب، مهما كانت جنسيتها، أن ترد ثغرا فرنساويا إلا إذا كان لديها إذن صحي من الطبيب الفرنساوي المقيم في الثغر الشرقي الذي بارحته.

هؤلاء الأطباء الفرنساويون كانوا بمصر يحضرون جلسات مجلس إدارة «الانتندانس» ومداولاته، ولهم حق التصويت فيها.

فلم يمض على إنشاء تلك الإدارة الصحية عهد قصير حتى ظهرت نتائج جهودها، فأنشئت «العازاريتات» (وهي التي يقال لها بالطليانية «لازارتي» “Lazzaretti” ، فقلبها الأهلون إلى «مازاريطا») في الإسكندرية ودمياط والعريش والسويس، وأكبرها كلها عازاريتة الإسكندرية، فإنها - علاوة على استكمالها جميع ما يلزم للغرض الذي أنشئت من أجله - كانت تسع من ألف ومائتين إلى ألف وخمسمائة شخص، ونيطت إدارة كل منها بطبيب ومساعدين، وأفرد في كل عازاريتة محل للبضائع الواردة من البلاد الموبوءة، لتطهيرها فيه قبل التصريح لها بدخول القطر.

وعينت مدد مختلفة لحجز السفن القادمة من الأقطار المشبوهة في عرض البحر تحت المراقبة، حتى يثبت خلوها من إصابات وعدوى، فجعلت خمس أيام للسفن السليمة، مع عدم إجبارها على تنزيل ركابها وبضائعها في العازاريتة، وأما المراكب غير السليمة فقرر حجزها عشرة أيام، مع إجبارها على تنزيل ركابها وبضائعها، إلا ما كان غير صالح منها للتنزيل، لأجل تطهير الكل.

Page inconnue