Histoire de l'Égypte sous le règne du Khédive Ismaïl Pacha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
كما أنه امتاز عهد والدكم الجليل بالتطور الاجتماعي السريع الذي نهض بعقلية القطر المصري وكاد يرفعها إلى مصاف بلاد الغرب. فارتقت العوائد وأنماط الحياة المنزلية والعمومية، ونظمت إدارة الحفظ والأمن على أسس جديدة، وانفصلت السلطات بعضها على بعض: فأصبحت السلطة التنفيذية مستقلة عن السلطة القضائية وحق (لإسماعيل) أن يفخر بما فعل قائلا: «انفصلت بلادي عن إفريقيا لأننا أصبحنا جزءا من أوروبا».
وفي ذلك العهد المجيد تخلصت مصر مما ترتب على امتياز قناة السويس من المساس بحقوق سيادتها، وتعاقبت الفرمانات التي نالتها بما بذلته من نفائس ثروتها مؤذنة برفع القيود التي كانت مصر راضخة لها بحكم التبعية للدولة العثمانية، فتفككت هذه القيود واحدا بعد واحد ولم يبق منها إلا أمر الخراج ، واتخذ العزيز لقب «الخديو» بدلا من لقب «ولي» الذي كان يشاركه فيه حكام الولايات العثمانية، ثم قرر التوارث في العرض على مبدأ الابن البكر من «أولاد صاحب العرش»، وأصبح استقلال مصر استقلالا حقيقيا - بالرغم من صلة التبعية الاسمية - بدليل اشتراكها كدولة مستقلة في المعرض العام الذي أقيم سنة 1867 في باريس، وترؤس مليكها حفلات افتتاح قناة السويس التي تعد من أبدع وأبهى صفحات عهده، وذلك بالرغم مما أبدته تركيا من الاحتجاجات على ترؤسه لها.
ولما كانت الامتيازات الأجنبية قد أدى الإفراط في تطبيقها إلى مساوئ عدة، فقد درئ ضررها على قدر الطاقة بإنشاء المحاكم المختلطة التي تعد صفحة أخرى مجيدة في تاريخ حكم (إسماعيل) وكان من شأنها أن تعيد إلى مصر كرامتها وحقوقها في السيادة الداخلية.
وبينما كان العمل سائرا بجد ونشاط في إنجاز هذه العجائب المدهشات، كان الفتح سائرا من جهة أخرى للقضاء على الرق والنخاسة، فنجم عن ذلك أن قضي على الرق والنخاسة قضاء لا رجوع فيه، وخضع السودان بأكمله لسيطرة مصر التي امتدت إلى الشاطئ الغربي للبحر الأحمر والمحيط الهندي حتى بلغت رأس غاردافوي، فأصبحت مصر إمبراطورية عظيمة، ولما دخلت في عداد الأمم المتمدينة حازت بينها المكان اللائق بمجدها الأثيل وأعمالها الجليلة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل شكلت البعثات العلمية التي تجاوز عددها الثلاثين بعثة لاستقصاء الجهات المجهولة في أواسط أفريقيا وشرقها، سعيا وراء خدمة العلم والمعارف، ورفع شأن القطر المصري، فأنشئت الجمعية الجغرافية الخديوية، وسارع أقطاب العلماء إلى الانخراط في سلكها لنوال شرف الانتساب لها.
فلم يك والدك الجليل نورا ساطعا فحسب، بل كان شمسا متألقة في سماء مصر، ولا غرو إذا اتجهت رغبتك يا مولاي - وأنت أبر أبناء هذا المصلح العظيم، الذي تمت على يديه جميع هذه المدهشات - إلى أن يفصل التاريخ وقائعها؛ لذلك تكرمت ووضعت تحت إشراف المجمع العلمي المصري المبارة التي أدت إلى ظهور هذا الكتاب، وتفضلت - مذ قررت اللجنة العلمية التي انتدبت لفحص مختلف مؤلفات المتبارين أفضليته على سواه - فشملته وشملت مؤلفه بتعطفاتك الملكية العالية.
فلتتفضل جلالتكم وتأذنني برفعه إلى سدتكم الملكية مقدما بين يدي من صادق إخلاصي وعظيم طاعتي وعبوديتي لكم خير شفيع.
العبد الخاضع
إلياس الأيوبي
رأي اللجنة العلمية المشكلة لفحص مؤلفات المتبارين في هذا الكتاب
Page inconnue